مشاركات سوريا
الكاتبة: ضحى السطم
نشاهد اليوم العديد من المنشورات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تصف الحياة في سوريا بعد التحرير، فنجد اضطراباً في الحديث عن المجتمع السوري وطريقة العيش، كما أننا نجد تعصباً طفيفاً أو عدم انتماء واضح عند بعض الأطراف. بعد سنوات في المنفى.. يعود المغترب لبلاده ليجد نفسه لا يعرف كيف يتأقلم مع هذه الحياة، يشعر كما لو أن شخصيته لا تلائم هذا المجتمع وربما لا تتقبله فيغدو حائراً بين هويته التي يعرفها وشخصيته التي تكونت في أرض الشتات، ثم نجد بعض السوريين الذي بقوا في البلاد يستنكرون تصرفات العائدين ويشعرون كما لو أن البلد تحتضن أغراباً، يلاحظون عادات جديدة وربما ثقافة مختلفة لم يروها في سوريا من قبل.
السوري المحايد، الذي لا يتخذ طرفاً محدداً في هذا الموضوع، يرى الأمور بطريقة شاملة ومن عدة زوايا، فهو يتفهم صعوبة التأقلم عند السوري الذي عاش مراهقته وشبابه في تركيا مثلاً وعاد إلى سوريا فجأة، هو يعرف أن جذوره الثابتة في تراب سوريا لكن أيضاً لا نستطيع اختزال حياته الطويلة التي عاشها في تركيا ونسيان الأصدقاء الذين تعرف عليهم، الأعمال التي بدأها، الروتين اليومي الذي اعتاده، كما أننا لا نستطيع لومه على صعوبة التأقلم وتصرفاته شبه الغريبة داخل البلد، ملابسه مثلاً، تصرفاته في الأماكن العامة، بل حتى استخدامه للغة التركية عفوياً. أو الفتاة التي عاشت في أوروبا على سبيل المثال، واستقرت مشاعرها وشخصيتها في تلك البلدان، فصارت تعرف سير الحياة هناك وتقبّلت بعض الأمور، ثم عادت فجأة لمجتمع يرى ربما بعض تصرفاتها غير مقبولة بل سيئة.
نحن هنا نقف أمام معضلة تواجه آلاف إن لم يكن ملايين السوريين اليوم، فهم تماشوا مع الحياة خارج سوريا، في بلدان من البديهي أنها متحضرة أكثر، فلا ننسى أن سوريا فُرضت عليها العقوبات، محاصرة من جميع الأطراف، وتعاني من بطش نظام أقل ما يقال عنه إنه فاسد، وهؤلاء السوريون لم يتجاهلوا هويتهم الحقيقية لكنهم أمنوا الحياة المستقرة في الغربة، ودرسوا لغة البلد، وعملوا في منشآتها، ثم خططوا لمستقبل طويل في هذه البلاد تحديداً وصاروا يعرفون مواعيد الدوائر الحكومية، مواعيد المستشفيات، المفاضلات الجامعية، وبالتالي هم اندمجوا في هذه الدولة وصارت ثقافتها جزءاً من شخصيتهم دون وعي ودون أن يتنازلوا عن سوريتهم.
بالمقابل، السوريون الذين بقوا.. ربما يستنكرون عادات تلك الدولة، لم يعرفوها من قبل ويعتبرون هذه الثقافات دخيلة على الحضارة السورية، القوانين الاجتماعية في البلاد لم تكن سارية في سوريا بل حتى بعض القواعد الأخلاقية تم تهميشها خلال فترة حكم النظام البائد، لأن البعث المخلوع أراد أن يخلق من المجتمع السوري مجتمعاً فاسداً جاهلاً، وأراد أن يغسل أدمغة الشعب لكي يضمن بلاداً متأخرة خطوات عن باقي البلاد، وترتبط بعادات قديمة بعضها بالية ولا معنى لها اليوم.
فهم اليوم لا يعتادون بسهولة، على وجود ثقافات جديدة متعددة، ولا مجتمعات مصغرة تحمل أفكار دول مختلفة، فلنواجه الأمر.. سوريا بسبب أعوام الحرب، تعرضت لتوقف في الزمن على مدار أكثر من عقد، وبهذا صار سير الحياة هناك بسيطاً لدرجة مرعبة، ومن الطبيعي أن يحتار الناس بوجود أشخاص يتساءلون عن سبب انقطاع الكهرباء، أو شح المياه مثلاً، أو قوة الإنترنت، فرغم أن هذه الأمور هي وسائل الحياة الطبيعية في كل المجتمعات تقريباً في العالم.. في سوريا مع الأسف، وبسبب ظلم الأسد وأعوانه، صارت رفاهية.
نحن الآن بصدد التغيير للأفضل، ولذا أفضل ما يمكن أن يفعله السوري المغترب والذي يعود من جديد لوطنه، ألّا يتصرف كما لو أن سوريا من العصر الحجري، ألّا يتعالى بنقده ويتغطرس على جموع الشعب هناك، ألّا يظن نفسه أنه المتحضر العصري القادم لتنوير البلد، فهذا البلد مليء بمثقفين ومفكرين وعباقرة لم تسعفهم الظروف ليبنوا البلد كما يجب. كما أننا نطلب من السوريين الذين لم يغادروا أبداً، ألّا يعاملونا كأغراب، فيكفي ما شعرنا به من عنصرية في دول الشتات، أن يتقبّلوا اختلاف الشخصيات بيننا ويعرفوا أن سوريا أصلاً مليئة بالأقليات والمجتمعات المختلفة، ألّا يطلبوا منا التأقلم السريع ولا ينتظروا من شخصياتنا أن تتحول وتتقلب، وأن يتفهموا ما عشناه في سنواتنا كما شهدنا على قساوة حيواتهم.