مدونات

غزة تتضور جوعًا، بينما الأسواق الإسرائيلية تفيض بالمنتجات الغذائية العربية.. إلى أي أمة ننتمي؟!

أغسطس 6, 2025

غزة تتضور جوعًا، بينما الأسواق الإسرائيلية تفيض بالمنتجات الغذائية العربية.. إلى أي أمة ننتمي؟!

للكاتب: ظاهر صالح

 

في ظل التدفق المستمر للأخبار المفجعة عن استهداف المدنيين في حرب غزة بأبشع الصور والمشاهد، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في استغلال التجويع كأداة للضغط السياسي واستخدامه الممنهج لسلاح التجويع لإزهاق أرواح سكان القطاع، ومنع إدخال المساعدات الكافية، مما يزيد من الوفيات الناجمة عن الجوع في غزة، يتواصل الدعم الأمريكي والصمت الدولي والإنساني، والخِذلان العربي اللاأخلاقي المشين، والتواطؤ من خلال مسار التطبيع العربي المستمر مع الكيان الصهيوني. ويبدو أن الموت جوعًا في غزة لم يكن كافيًا لتحريك ضمائر بعض الحكومات العربية التي فضّلت التطبيع والصمت على اتخاذ مواقف تنقذ حياة الأبرياء، فما زالت بعض الدول العربية تعمل على تعزيز علاقاتها مع كيان الاحتلال، بينما تقوم دول أخرى بالتطبيع سرًا، في الوقت الذي يواجه فيه سكان غزة أبشع جرائم العصر وحرب الإبادة، وتشهد شوارعها جثث الأطفال، وأرحام النساء الخاوية، ومستشفياتها تفتقر إلى الأدوية والغذاء، تشهد الأسواق في “إسرائيل” وفرة في المنتجات القادمة من بعض الدول العربية.


بيانات “إسرائيلية” رسمية تكشف حجم صادرات الدول المطبِّعة

في ظلّ تشديد الاحتلال إجراءاته لتجويع غزة، كشف تحقيق لصحيفة “عربي بوست” أن الدول العربية المطبعة صدّرت إلى “إسرائيل” عشرات الأصناف من المنتجات الغذائية المتنوعة، بما في ذلك مئات الأطنان من الخضروات. يأتي هذا في الوقت الذي يضيّق فيه الاحتلال الخناق على إدخال كميات كافية من الغذاء إلى 2.1 مليون محاصر في غزة، الأمر الذي فاقم أزمة الجوع ونشر شبح المجاعة في القطاع. وكشف تقرير حديث صادر عن مكتب الإحصاء “الإسرائيلي” عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” وخمس دول عربية خلال النصف الأول من العام الجاري. ووفقًا للتقرير، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” والإمارات ومصر والأردن والبحرين والمغرب 367 مليون دولار في شهر يونيو/حزيران الماضي وحده.

وأظهرت بيانات “إسرائيلية” رسمية حجم وكميات الصادرات الغذائية المتدفقة من الإمارات ومصر والأردن والمغرب والبحرين إلى كيان الاحتلال خلال شهر يونيو/حزيران 2025. وفي الشهر ذاته، بدأت ملامح المجاعة الحادة بالظهور بوضوح في قطاع غزة، حيث تسبب النقص الحاد في الغذاء واستمرار الاحتلال في منع إدخال المساعدات الكافية خلال يوليو/تموز 2025 في ازدياد أعداد الوفيات بين سكان غزة جراء الجوع. انتشرت صور ومقاطع فيديو من داخل القطاع تُظهر أطفالًا وكبارًا وقد نحلت أجسامهم وبرزت عظامهم من شدة الجوع، في حين يرفض الاحتلال الاستجابة لتحذيرات المنظمات والدول من تفاقم المجاعة. وحتى لحظة نشر هذه المادة، لم تصدر بعد بيانات التجارة الإسرائيلية مع الدول المطبعة لشهر يوليو/تموز 2025. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل عادةً ما تنشر إحصاءاتها التجارية بشكل شهري، مع فارق زمني يقارب الشهر؛ فعلى سبيل المثال، تُعلن أرقام شهر يناير/كانون الثاني في شهر فبراير/شباط.


تصدير منتجات غذائية عربية إلى الكيان المحتل

كشفت بيانات نشرها “المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء” وحلّلها موقع “عربي بوست”، عن تفاصيل حول أصناف المنتجات التي استوردتها “إسرائيل” من الدول العربية المطبّعة وصدرتها إليها، خلال شهر يونيو/ حزيران 2025. ووفقًا للبيانات، بلغت قيمة الصادرات العربية إلى “إسرائيل” من المنتجات (محلية المنشأ) 116.4 مليون دولار في شهر يونيو/ حزيران 2025 وحده. وتنوعت الصادرات العربية إلى “إسرائيل” خلال يونيو/ حزيران 2025 لتشمل منتجات غذائية وغير غذائية، مثل الملابس والآلات والأجهزة والمعدات الطبية، بالإضافة إلى منتجات الحديد والصلب والأثاث والمفروشات وغيرها، وبلغ عدد أصناف المنتجات الغذائية العربية التي وصلت إلى “إسرائيل”، بالتزامن مع تقييد إدخال المساعدات إلى غزة، 76 صنفاً تندرج تحت 18 منتجاً غذائياً رئيسياً، من بينها: خضروات، وفواكه، وحبوب، ومنتجات من الحبوب، وسكريات، ومشروبات، وأسماك، والقهوة والشاي والتوابل.

وتتضمن البيانات “الإسرائيلية” أكواداً تعريفية للسلع وفق “النظام المنسّق” (HS Code) العالمي، المعتمد من قبل منظمة الجمارك العالمية وسلطات الجمارك في البلدان، مما أتاح تحديد أنواع المنتجات المتبادلة بين الدول العربية المطبعة وإسرائيل من خلال البحث عنها في قاعدة بيانات سلطات الجمارك “الإسرائيلية”. يُقصد بأصناف المنتجات، في سياق تصنيف الجمارك العالمية، المجموعة الفرعية من المنتجات التي تندرج تحت منتج رئيسي. فعلى سبيل المثال، يندرج تحت المنتج الرئيسي “الخضروات” أصناف فرعية مثل الفاصولياء والبامية وغيرها. ووفقًا للبيانات الرسمية “الإسرائيلية”، بلغت قيمة صادرات أصناف المنتجات الغذائية من الدول العربية المطبعة إلى “إسرائيل” خلال شهر يونيو/حزيران 2025 نحو 8.16 مليون دولار.

تصدرت مصر القائمة بصادرات غذائية إلى “إسرائيل” بقيمة 3.8 مليون دولار، وتشمل الأصناف الغذائية التي صدرتها مصر لإسرائيل 10 منتجات رئيسية، من بينها: منتجات الحبوب أو الدقيق، ومنتجات القهوة والشاي والتوابل، والخضروات، والسكريات، ومنتجات الفواكه والمكسرات. وقد تصدرت منتجات الخضار والفواكه والأثمار القشرية قائمة الأصناف الغذائية التي صدرتها مصر لإسرائيل، حيث بلغت قيمتها الإجمالية 2.6 مليون دولار. ثانيًا، حل المغرب بصادرات غذائية إلى “إسرائيل” بلغت حوالي 2.5 مليون دولار في يونيو/ حزيران 2025، وشملت ستة منتجات رئيسية، من بينها الخضروات والسكريات ومنتجات الحبوب. تصدرت منتجات السكريات والحلويات السكرية قائمة الصادرات المغربية بقيمة 1.7 مليون دولار. ثالثًا، جاءت الإمارات العربية المتحدة بصادرات متنوعة بلغت 1.04 مليون دولار في يونيو/ حزيران 2025، تضمنت الأسماك ومنتجات الخضروات والفواكه والسكريات والحيوانات الحية. وأخيرًا، الأردن في المرتبة الرابعة بصادرات غذائية بلغت 672 ألف دولار، ثم البحرين بمبلغ 47 ألف دولار.


تصدير الخضروات من الأردن إلى الكيان المحتل

في بيانات رسمية “إسرائيلية” نشرتها وزارة الزراعة “الإسرائيلية”، تتضح كميات ومصادر الخضروات التي وردت إلى “إسرائيل” منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/ تموز 2025. تشير البيانات إلى وصول 791 طنًا من الطماطم والفلفل من الأردن خلال الفترة من 3 يونيو/ حزيران 2025 إلى 21 يوليو/ تموز 2025، موزعة كالتالي: 695 طنًا من الطماطم و96.5 طنًا من الفلفل. وبلغت كمية الخضروات القادمة من الأردن إلى “إسرائيل” 609 أطنان في شهر يونيو/ حزيران وحده، بينما وصلت الكمية إلى 182 طنًا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من يوليو/ تموز 2025. وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2024 وقف تصدير الخضروات والفواكه إلى “إسرائيل” عقب مزاعم “إسرائيلية” بوجود كوليرا في مياه نهر اليرموك المستخدمة للري، وهو ما نفته عمّان. وفي الوقت نفسه، أكدت الحكومة مرارًا أنه على الرغم من وقف الجهات الحكومية الرسمية لتصدير الخضروات والفواكه إلى الاحتلال، لا توجد آلية ملزمة لمنع تجار القطاع الخاص من الاستمرار في التصدير إلى “إسرائيل”. وفي يناير/ كانون الثاني 2024، صرح وزير الزراعة الأردني خالد حنيفات لقناة المملكة بأنه لا توجد آلية قانونية تمنع التجار من تصدير الخضار إلى “إسرائيل”، مضيفًا: “لكن نقول لهم: حاولوا أن تتحلوا بقليل من الأخلاق”.

تجدر الإشارة إلى أن البيانات التي نشرتها وزارة الزراعة الإسرائيلية بشأن كميات الخضار والفواكه، تضمنت اسمي دولتين عربيتين هما المغرب والأردن. وفيما يخص المغرب، تشير البيانات إلى وصول 76 طنًا من فاكهة السترون مصدرها المغرب إلى إسرائيل خلال الفترة الممتدة بين 9 سبتمبر/أيلول و28 أكتوبر/تشرين الأول 2024. ولم تسجل البيانات الإسرائيلية أي صادرات أخرى من المغرب للفواكه بعد هذه الفترة.


التجويع في غزة

خلال شهر يونيو/ حزيران 2025، وفي الوقت الذي كانت الصادرات العربية من المنتجات الغذائية تصل إلى “إسرائيل”، صدرت تحذيرات عديدة من مسؤولين في الأمم المتحدة تنذر باقتراب المجاعة في غزة، وذلك بسبب القيود الخانقة التي يفرضها الاحتلال على إدخال المواد الغذائية إلى القطاع. ففي 11 يونيو/ حزيران 2025، حذر نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، من أن سكان غزة يواجهون خطر المجاعة. وتبعه في 12 يونيو/ حزيران 2025 وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، توم فليتشر، محذرًا من أن غزة على وشك الانزلاق إلى المجاعة. واستمرت التحذيرات الأممية بشأن تفاقم المجاعة في غزة خلال شهر يوليو/ تموز 2025. وفي تقرير نشره برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يوم 29 يوليو/ تموز 2025، ذكر أن معدل سوء التغذية الحاد في غزة قد ارتفع بشكل غير مسبوق، وأشار إلى أن معدل سوء التغذية بين الأطفال في مدينة غزة قد تضاعف أربع مرات في غضون شهرين فقط. تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن أكثر من ثلث سكان قطاع غزة يعانون من انقطاع الطعام لعدة أيام متتالية، وأن ما لا يقل عن 500 ألف شخص يواجهون ظروفًا شبيهة بالمجاعة. وتوضح بيانات صادرة عن “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي”، وهي منظمة تراقب الجوع، أن جميع مناطق قطاع غزة تعاني من انعدام حاد في الأمن الغذائي. ووفقًا لخريطة الوضع الحالي لانعدام الأمن الغذائي التي نشرتها المنظمة لقطاع غزة، والتي تغطي الفترة بين عامي 2023 و2025، فإن القطاع بأكمله يمر بمرحلة حرجة من أزمة الغذاء.

يعيش قطاع غزة مرحلة حرجة من أزمة الغذاء، وفقًا لبيانات المنظمة العالمية (التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي). وتشير أحدث الأرقام الرسمية الفلسطينية، الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 30 يوليو/تموز 2025، إلى ارتفاع حصيلة الوفيات الناتجة عن سياسة التجويع الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتصل إلى 154 فلسطينيًا، بينهم 89 طفلاً. ولا يقتصر الأمر على الجوع والقصف في حصد أرواح الغزيين، بل يلقى آخرون حتفهم أثناء سعيهم للحصول على المساعدات من نقاط التوزيع، وذلك وفق آلية مدعومة من أمريكا وموافقة إسرائيل، تسمح بتوزيع المساعدات في القطاع من قبل “مؤسسة غزة الإنسانية” في مواقع محددة يشرف عليها عسكريون أمريكيون سابقون. وفي إحصائية أخيرة نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 31 يوليو/تموز 2025، أفادت بأن 1330 فلسطينيًا في غزة لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.


دول عربية تتعرض لانتقادات

تتعرض دول عربية لانتقادات شعبية بسبب استمرارها في التصدير إلى إسرائيل، حيث تطالب هذه الانتقادات الحكومات بوقف التعاملات التجارية معها ردًا على حربها المستمرة على غزة، وقد واجهت مصر مرارًا انتقادات واتهامات بإغلاق معبر رفح، وإبطاء إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، بينما ردت القاهرة مؤكدة أن “إسرائيل” هي المسؤولة عن عرقلة دخول المساعدات، وأنها تعمل على إدخال أكبر قدر ممكن منها. وفي سياق متصل، نفذت مصر والأردن والإمارات في 30 يوليو/ تموز 2025 عمليات إنزال جوي لمساعدات إنسانية على غزة، إلا أن وكالة الأونروا الأممية ترى أن هذه العمليات لن تنهي المجاعة المتفاقمة.


يذكر أن “إسرائيل” تشن منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حربًا على غزة تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها، وقد أسفرت هذه الحرب عن سقوط ما لا يقل عن 206 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، غالبية الضحايا من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى ما يزيد على 11 ألف مفقود ومئات الآلاف من النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم عشرات الأطفال.

 

شارك

مقالات ذات صلة