سياسة
وزيرة الخارجية الألمانية أنجلينا بايربوك Annalena Baerbock صرّحت الأربعاء ٢٣ يوليو ،٢٠٢٥ ”الدفاع عن النفس لا يعني فقط تدمير الإرهابيين“ بل سحقهم. لذلك أنا أقولها واضحة وجلية: إذا ما هاجم ”إرهابيو حماس“ النّاس والمدارس فسندخل في إشكاليات صعبة جدًّا. لكن قبل الدخول في ذلك فنحن لن نستسلم. هذا هو السبب في قولنا جليًّا للأمّم المتحدة: حتى المواقع المدنيَّة قد تفقد الحماية بسبب سوء استخدامها من قبل ”الإرهاب“. لذلك، ألمانيا تقف من أجل أمن إسرائيل. المؤسف أنّ هذه التصريحات المنحازة انحيازًا فاضحًا لإسرائيل تؤطر موقفًا مشينًا، أعرب عنه المستشار الألمانيّ فريديرش ميرتس حينما قال: علانية وصراحة على هامش قمة مجموعة السبع يونيو الفائت: ”إنّ إسرائيل تقوم نيابة عنا جميعًا بالعمل القذر في إيران“، ذلك إبَّان الضربات الإسرائيليَّة الأخيرة المعززة بعمليات نوعية أمريكيَّة للمنشآت النوويَّة الإيرانيَّة.
مواقف ألمانيَّة متتاليَّة تشير إلى حالة الفصام الشديد التي شكّلت متلازمة الحكومات اليمينيَّة المتعاقبة على تمايزها، تتبرأ من إرث ألمانيا المهزومة في الحرب العالميَّة الثانية، عبّر عنه في سياساتٍ حكمت اقتصاد وتسلح ألمانيا، الذي تعاظم للمرة الأولى إبَّان حرب أوكرانيا بعد الغزو الروسيّ، ليتضح تذبذب الحزب الديمقراطيّ المسيحيّ خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة بين النأي بألمانيا الحديثة عن شبح الهولوكوست، مفضيًا بها إلى ازدواجيَّة شديدة في المعايير الإنسانيَّة والأخلاقيَّة السياسيَّة التي كشفتها غزَّة، والموقف الألماني المنحاز بدرجة مشينة إلى إسرائيل، لتقفز ألمانيا مجدّدًا في دائرة الضوء كداعم لأسوأ إبادة جماعيّة في العالم بعد الحرب العالميَّة الثانية في التاريخ الحديث، تلك الواقعة الآن في غزَّة والأراضي الفلسطينيَّة المحتلة. هذه الدولة التي بنت فلسفتها بعد سقوط حائط برلين على ميل كامل للمعسكر الغربيّ، وأدبياته ومؤسساته، بل وتأتي في القلب منه في قيادة الاتحاد الأوروبيّ، سيما وهي الحامل الأول للعبء الثقيل للدول الأقل إمكانيات مثل اليونان وإيطاليا، وغياب مرتبك لبريطانيا عن قاطرة الاتحاد، وتصدر لحلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسيّ لم يجدد دوره منذ انهيار حلف وارسو سوى حرب أوكرانيا التي تدور رحاها منذ أربع سنوات ونيف.
بين حرب و محرقتين
أظن أمينة أن ألمانيا كشفت عن تناقضها الحاد بين موقفها الحاد، الذي يبدو الأعنف انحيازًا لإسرائيل في حربها للإبادة الجماعيّة على غزَّة، خاصّة بعد ارتكاب الجريمة بحرق الفلسطينيين أحياء في خيام النزوح، ليشاهدها ملايين المتابعين في العالم عيانًا جهارًا، وبين ماضيها الملوث، الذي طالما ابتُزت بسببه في محرقة النازي لليهود في الحرب العالميّة الثانية. كان المؤشر كما أكتب وعاصرت في المؤسسات الغربية هو حرب أوكرانيا. أوكرانيا غيّرت عقيدة ألمانيا الدبلوماسيّة والدفاعيّة من الدفاع إلى التسلح، وعبر جسد مؤسساتي مضطرب بمتلازمة الهولوكوست، فينطلق حاملًا الخطيئة على كتفيه ليسير ببطءٍ وبإصرارٍ، على مدار عقود تلت سقوط جدار برلين من المُكتسَح تمامًا عسكريًا وعسكريًا؛ الموصوم ، يطأطئ كتفه مُنكبًّا لعقودٍ طويلة على بناء اقتصاده ليصبح الأهمّ، والأثبت ليقود مظلة الاتحاد الأوروبيّ في التكتل التجاريّ والسياسيّ الأقوى إلى واسطة العقد في الاتحاد الأوروبيّ، وفي حلف شمال الأطلسيّ ناتو، مقدّسًا لبند الدفاع المشترك الخامس للحلف، ويحمل أعباء القارة أيضًا، وشاهد الخطية على كتفيه، ليصطف القيادة خلف الأجندة الأمريكيّة.
ألمانيا تكفر خطاياها مع إسرائيل، وتتواطأ عن عمدٍ وبنيةٍ واضحة معلنة في جريمة أشد قسوة من محرقة النازي؛ جريمة الإبادة الجماعيّة في غزّة. ألمانيا متهمة في كلّ أحياء يُحرقون، في كل المشافي المستهدفة، فرق الصحافة المطاردين، مصيدة المساعدات الغذائيّة لقنص وقتل الفلسطينيين، حتى نزع الكهرباء عن حضانات الأطفال المبتسرين لألمانيا فيها يد ونية وانحياز.
قالتها الصحافة الإيرانيّة غير الحزبيّة، لكنها طالما كانت ورقة انتخابيّة شكّلت تراكميًّا وعي الناخبين المُثقلين بذات العار. دويتش فيلا كتبت تحليلًا وازنًا إثر قرار ألمانيا تغيير ميزانيتها وعقيدتها الأمنيّة والدبلوماسيّة. أثار الغزو الروسيّ لأوكرانيا صدمة حقيقية في برلين وباقي العواصم الدوليّة. وجاء الرد الألمانيّ، ومعه الغربيّ، كاسحًا وغير متوقع في حجمه وأشكاله، من خلال حزمة عقوبات اقتصاديّة ودبلوماسيّة وثقافيّة، وحتى رياضية غير مسبوقة.
وأجمع متتبعو الشأن الألماني، أنّ الأحد ٢٧ فبراير شكّل بوضوح نقطة تحوّل جوهريّة في سياسة ألمانيا الخارجيّة والأمنيّة، التي كانت معروفة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. وبهذه المناسبة، عرض المستشار أولاف شولتس أمام البرلمان الألمانيّ (بوندستاغ) (الخميس الثاني من مارس ٢٠٢٣) حصيلة شاملة لأهمّ محطات هذا التغيير. وكان شولتس أكد قبل عام من نفس المنبر، أن غزو روسيا لجارتها الأوكرانية، أجبر ألمانيا على الدخول في “حقبة جديدة”.
هكذا حررت دويتش فيلا في تصريحات أولاف شولتسأمام البرلمان (بوندستاج) في الثاني من مارس ٢٠٢٣: ”أثار الغزو الروسيّ لأوكرانيا صدمة حقيقية في برلين، وباقي العواصم الدوليَّة. وجاء الرد الألمانيّ، ومعه الغربيّ كاسحًا، وغير متوقع في حجمه وأشكاله من خلال حزمة عقوبات اقتصاديَّة ودبلوماسيَّة وثقافيَّة، وحتى رياضيَّة غير مسبوقة. وأجمع متتبعو الشأن الألمانيّ أنَّ الأحد 27 فبراير/ شباط 2022 شكل بوضوح نقطة تحول جوهريَّة في سياسة ألمانيا الخارجيَّة والأمنيَّة، التي كانت معروفة منذ نهاية الحرب العالميَّة الثانية. كلمات شولتس كانت في حينها مفاجئة للرأي العام الألمانيّ، خصوصًا وأنَّ المستشار اتهم منذ اندلاع الأزمة الأوكرانيَّة، بالتباطؤ وكبح كل المبادرات الغربيَّة المتجهة لتشديد العقوبات ضد روسيا.“
بين أوكرانيا وإسرائيل
ألمانيا تضطرب بين النيوليبرالية في مبدأ الوقوف مع أوكرانيا ضد روسيا، حتى لو كانت أكثر المصالح تضررًا بين أعضاء الحزب فهي من ستحمل أعباءه بعد الحرب. كتبت مرات أنّ الخاسر الأكبر بعد الغزو الروسيّ لأوكرانيا هو ألمانيا. الولايات المتحدة تحقق انتصارين مهمين جدًّا في تلك الحرب التي توارت في جنوب المتوسط تحت وطأ جرائم إسرائيل الأبشع ضد الإنسانيَّة، وخصوصًا الجريمة المكتملة الأركان بإبادة سكان غزَّة جماعيًا بالحرق أحياءً، وجرهم لفخاخ توزيع المساعدات، وقتل الصحفيين والدفع بهم للنزوح، وتصدير أزمتهم لدول الجوار بالابتزاز والترهيب والتوافقات. تضطرب ألمانيا بين الرجل الأبيض الذي مازالت بعقل وضمير المستعمر القديم الذي لم يتعلم للأسف، وشعب كامل لفلسطين يتعرض الآن لأسوأ هوائل الإبادة الجماعيَّة بتواطؤ واضح بلا مواربة من الساسة الألمان.
ربما دراسة وافية لنموذج ألمانيّ هو الأشرس الآن في الصف الأول الأوروبيّ، المنحدر سياسيًّا من حزب هو الأهم في حكم ألمانيا بعد انهيار جدار برلين، وانتمى له أعتى وأثبت المستشارين للنهوض مرة أخرى من الروح تحت حجر سيزيف لعقود.
في أوكرانيا، فقدت ألمانيا البوصلة. إقناع بل ابتزاز ”الحلفاء“ ألمانيا، ودول ”المحور“ لعقودٍ ثقيلة بعد الحرب، سممتها المحاكمات والملاحقات والتعريض بالنازيَّة والفاشيَّة في ألمانيا وإيطاليا متتاليين، نسى المنتصرون أنَّ المشهد لم يقدر له فقط أن يكون متطابقًا ضدهم لو انتصر الحلفاء. وبقيت جريمة المحرقة الجماعيَّة لليهود كحجر سيزيف في الذاكرة الجمعية الألمانيَّة خطية أبديَّة، ومدخلا جبارًا لكيان مثل إسرائيل لابتزاز ألمانيا، وإخضاعها للأسنان المسنونة للتنميط داخل التكتلات الكبرى خليقة نتاج الحرب، ثمَّ حسمًا لصالح الكتلة الغربيَّة بعد انهيار الاتحاد السوفيتيّ وعصر القطبيين بعد مأساة الأقطاب المتعددة في الحرب. حملت ألمانيا صليبها فوق ظهرها في كل خطوة، حتى حل عليها عقدا بعد عقد وعالم تلو آخر. حرر السّاسة الألمان والحركة الثقافيَّة والسياسيَّة والصناعيَّة والاقتصاديَّة من الصليب المحمول.. لكنهم قلدوها بدلًا منه قامة ثقيلة وظهرًا قائمًا.
أورسولا فون دير لاين – دراسة حالة للنخبة السياسية الألمانية الأكثر انحيازا لإسرائيل
في الوقت الذي تعالت النبرات فيه في البرلمان الأوروبيّ ضد الخطاب التحريضيّ رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين، يذكرنا تاريخ المسؤولة بالاتحاد أنّها طبيبة ألمانية تنحدر من توجهات الحزب المسيحيّ الديمقراطيّ وأدبياته، وشغلت منصب وزيرة العمل والتأمينات الاجتماعيَّة ووزيرة الدفاع في ألمانيا. في أصول فون دير لاين العائليَّة إرث لأب محافظ كان من موظفي الخدمة الاجتماعيّة في ألمانيا، ولاحقًا ممثلًا لألمانيا في السوق الأوروبيَّة المشتركة (الاتحاد الأوروبي فيما بعد)، ورئيس ديوان مفوضية المجموعة الاقتصاديَّة الموحدة. يتواءم تاريخ أورسولا السياسي في تسعينيات القرن الماضي مع المعسكر الغربيّ الأوروبيّ إبّان انهيار الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الاشتراكيّة، وتعاظم النفوذ الإمبرياليّ الأمريكيّ في العالم ذي القطب الواحد. كانت طموحاتها ممثلًا لطموحات جيلها من التكنوقراط الأوروبيين المتطلعين من داخل التيار المحافظ في بلادهم للنموذج التنافسي النيوليبرالي، والنادي الليبراليّ الغربيّ الجديد بديلًا للتيارات المحافظة التقليديّة واجدين في ذلك النموذج مثالًا جذابًا للعولمة الاقتصاديّة والهيمنة الناعمة، خصوصًا في ألمانيا، جاهدين في التخلص من إرث وعار الإبادة الجماعيَّة لليهود وثقل الظل المظلم لألمانيا النازية آملين في قيادة جديدة للكتلة الأوروبيّة، ممثلًا فيما بعد في الاتحاد الأوروبي في مسارين متوازيين: العملة الأوروبيّة الموحدة، وإقرارها في الأول من يناير ١٩٩٩ بعد صبر طويل منذ الستينيات، وصولًا لقيادة ألمانيَّة لمفوضية الاتحاد على يد السيدة الأولى في المنصب أورسولا فون دير لاين في الأول من ديسمبر عام ٢٠١٩.
تجربة الحكومة الموحدة في ألمانيا ما بعد سقوط حائط برلين، شكّلت وجدان جيلين مشتتين على الأقل، تنتمي إليهما أورسولا فون دير لاين والسياسية المخضرمة، رئيسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألمانيّة لعقد خلى أنجيلا ميركل. لكن ميركل عينت في قيادتها للمعارضة فون دير لاين لصياغة مقترح بديل لآخر قدمه المستشار غيرهارد شرودر في أجندة ٢٠١٠ لنظام الرعاية الاجتماعية يشمل، برنامجًا متكاملًا للرعاية الصحيّة، والتمريض بالاقتطاع من الدخل العام لكلّ عائل للأسر، وسلمت بفضله ميركل فون دير لاين حقيبة الأسرة والضمان الاجتماعي في ٢٠٠٥ في حكومة الظل، التي شكلها الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمفاوضات تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الاتحادية. قادت خلالها أورسولا فريق العمل المكلف بوضع سياسة الأسرة، يدًا بيد مع ريناته شميدت من الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
ارتبط التّاريخ الوظيفيّ لأورسولا فون دير لاين منذ عيّنت وزيرة اتحاديّة لشؤون الأسرة، وكبار السن والشباب بمناسبة الذكرى الستين للاعتراف الدولي بإسرائيل دولة وتأسيسها. وشاركت في اجتماع مجلس الوزراء المشترك الأول لحكومتي ألمانيا وإسرائيل في القدس في مارس ٢٠٠٨. لكن اختيارًا عقابيًا للأحزاب المحافظة فضل كريستيان فولف عليها اختيار الحزبين (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) في انتخابات رئاسة ألمانيا في ٢٠١٠، وغل يد أنجيلا ميركل عن اختيار أورسولا، لكنها صمدت إلى جانب وزير الداخلية توماس دي مايتسيره، ووزير المالية فولفجانج شويبله ليكون الوزراء الثلاثة ثوابت لإدارة ميركل وعر سنوات على رأس الحكومة.
تغير تاريخ فولدر لاين كما تغيرت ألمانيا حين ترأست اجتماع وزراء دفاع حزب الشعب الأوروبي، الذي يجمع وزراء دفاع حزب الشعب في اجتماعات مجلس الاتحاد الأوروبي. وبقيت ميركل بالانتخاب في المجلس التنفيذيّ لحزب الاتحاد الديمقراطيّ المسيحيّ في مؤتمر الحزب في ديسمبر ٢٠١٤، بينما تأخرت عنهم فون دير لاين بنسبة ٢٠٪، شكلت الفارق بين المدرسة المسيحيّة الأصوليّة في حكم ألمانيا التي رجحت ميركل بتصويت أكثر من ٩٠٪، لتكون مرشحة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحيّ في مؤتمره آنذاك بينما لم تحصل فون دير لاين نسبة ٧٠٪ من التصويت.
بهذه القراءة السريعة للفارق بين جيل تسلم ألمانيا بعد انهيار حائط برلين وبين من تلاهم في العمل الاجتماعيّ والسياسيّ، نائيا بنفسه عن الإرث الثقيل ومخلفات الهزيمة الكبرى في الحرب العالمية الثانية، يمكننا قراءة مسار فون دير لاين في دعمها الفج لإسرائيل، ودورها في تأصيل الإبادة الجماعية الإسرائيليّة في غزّة والانخراط بشجاعة أكبر في تشكيل القرار الأوروبي بشأن الشرق الأوسط، بدءًا من التمركز الألمانيّ إلى جانب قوات الولايات المتحدة في أفغانستان في الحرب الاستباقية لحلف شمال الأطلسي، الذي قرر تقليص قوة المساعدة الأمنيّة الدولية بعد ١٣ عامًا من إسقاط حركة طالبان في ٢٠٠١. تبع ذلك إرجاء سحب ٨٥٠ جندي ألمانيّ من أفغانستان في ٢٠١٦ بعد استيلاء طالبان على مدينة قندوز الشماليّة، لتعيد ألمانيا تمركز جنودها في شمال أفغانستان تحت لواء ناتو كجزء من قوة المساعدة الأمنيّة الدوليّة.
ثاني الخطوات نحو المد الأوروبي المتطرف نحو سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان الرفض الألماني الصريح لسياسات ”الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد المسلّحين الأكراد في أغسطس 2015، سمحت أورسولا فون دير لاين بإيقاف مهمة ألمانية مدتها ثلاث سنوات لبطاريات صواريخ باتريوت في جنوب تركيا في كانون الثاني 2016، بدلًا من الحصول على موافقة برلمانيّة لتمديدها. وفي الشهر نفسه، شاركت في اجتماع مجلس الوزراء المشترك الأول بين حكومتي ألمانيا وتركيا في برلين. وبحلول نيسان عام 2016، أعلنت القوات المسلحة الاتحادية الألمانية تحت قيادة فون دير لاين بأنّها ستلتزم بمبلغ 65 مليون يورو لإقامة وجود دائم في قاعدة إنجرليك الجوية، وذلك كجزء من التزام ألمانيا في التدخل العسكري ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”. مايهمني هو جنوح ألمانيا للتشدد في اتباع حلفائها في حلف شمال الأطلسي، حتى لو كلّفها ذلك عداء روسيا، وتأثر صادراتها من الغاز الروسيّ، واحتمال انخراطها بشكل مباشر تحت بند الدفاع المشترك في الحلف، الملزم لكل الدول لنجدة أيّ دولة عضو تتعرض مصالحها للخطر لمحقق. انساقت ألمانيا في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2015 خلف هذه الالتزامات المغالية دون التفات حقيقيّ للمصالحة الداخليّة لرفاهة المواطن الأوروبيّ وأمنه. في البداية دافعت أورسولا فون دير لاين علنًا عن ”رفض ألمانيا تزويد أوكرانيا بالأسلحة. مؤكدة أنّه من المهم البقاء متحدين في أوروبا حول الوضع في أوكرانيا. قالت إنّ المفاوضات مع روسيا كانت ممكنة على عكس مقاتلي الدولة الإسلاميّة. وقالت: إنّ ألمانيا ترى في أوكرانيا وروسيا فرصة لإثبات أنّ حل الخلافات في القرن ال21 يجب أن يكون على طاولة المفاوضات وليس بالسلاح. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى أنّ روسيا لديها إمدادات لا نهائيّة تقريبًا من الأسلحة التي يمكن أن ترسلها إلى أوكرانيا. وتساءلت: ما إذا كانت أي محاولة من جانب الغرب يمكن أن تتطابق مع أو أكثر أهمّيّة من ذلك تحقيق النتائج التي تسعى إليها أوكرانيا ومؤيديها“.
إصلاح القوات المسلحة
في عام 2014 قدمت أورسولا فون دير لاين مخطط ب 100 مليون يورو؛ لجعل الجيش الألماني أكثر جاذبية للمجندين الجدد، وذلك من خلال تقديم دور الحضانة لأطفال الجنود، والحد من الوظائف لتتناسب مع مواعيد الفصل الدراسيّ، وارتفاع كبير في بدلات المشقة عن الوظائف الصعبة.
المشتريات العسكرية
في وقت مبكر من ولايتها، تعهدت أورسولا فون دير لاين بوضع قبضة شديدة على ميزانية المعدات العسكرية الألمانية، بعد نشر تقرير KPMG عن الفشل المتكرر في السيطرة على الموردين والتكاليف ومواعيد التسليم، وعلى سبيل المثال، مع طائرة النقل إيرباص A400M أطلس طائرة يوروفايتر تايفون وناقلة الجنود المدرعة بوكسر.
في عام 2015، انتقدت أورسولا فون دير لاين علنًا إيرباص؛ بسبب التأخير في تسليم طائرات النقل العسكرية A400M، شاكية من أنّ الشركة لديها مشكلة خطيرة مع جودة المنتج. تحت قيادتها، وافقت الوزارة على قبول 13 مليون يورو تعويضًا عن التأخير في تسليم كل من طائرة A400M الثانية والثالثة. في عام 2016، طلبت مبلغ 12,7 مليون يورو إضافيّة كتعويض عن التأخير في تسليم الطائرة الرابعة. أيضا في عام 2015، اختارت أورسولا فون دير لاين شركة MBDA، المملوكة من قبل مجموعة إيرباص وBAE للأنظمة البريطانية وليوناردو S.p.A. الإيطالية لبناء «نظام الدفاع الجوي المتوسط الموسع»، ولكن وضعت شروط صعبة لإبقاء الالتزام بالعقد.
على العكس من ذلك تماما وبسبب الانحيازات العرقية البيضاء أورسولا فون دير لاين من دعاة السياسة الخارجية الأكثر حزمًا. أحد الأمثلة الصارخة القرار في أيلول 2014 بإرسال الأسلحة إلى قوات الأمن الكرديّة والعراقيّة، الذي كسر المحرمات منذ أمد بعيد على إيفاد ألمانيا للأسلحة إلى منطقة نزاع. ساهمت فون دير لاين في تدهور العلاقات بين أوروبا وروسيا خلال الأزمة في شبه جزيرة القرم عام 2014، وقالت: إنّ «الاعتماد على حسن سير العلاقات التجارية مع أوروبا هو أكثر أهمية بكثير في روسيا»، وأن العقوبات يجب دفع القلة ورجال الأعمال الروس. كما دعت حلف شمال الاطلسي لتقديم دعم أكبر لدول البلطيق أكثر خلال الأزمة في شبه جزيرة القرم.
صوتت أورسولا فون دير لاين في الماضي لصالح المشاركة الألمانيّة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وكذلك في بعثات حفظ السلام من الاتحاد الأوروبي بتفويضٍ من الأمم المتحدة في القارة الأفريقيّة، كما هو الحال في الصومال – على حد سواء عملية أتلانتا وبعثة الاتحاد الأوروبي لتدريب الصومال- (2009، 2010، 2011، 2012، 2013، 2014 و2015)، دارفور/السودان (2010، 2011، 2012، 2013، 2014 و2015)، وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (2011، 2012، 2013، 2014 و2015) بعثة تدريب الاتحاد الأوروبي في مالي (2013 و2014 و2015)، وجمهورية أفريقيا الوسطى (2014)، وبعثة الأمم المتحدة في ليبريا (2015).
إسرائيل – فلسطين
في الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء دولة إسرائيل، أشارت فون دير لاين إلى إسرائيل باعتبارها ديمقراطية نابضة بالحياة في الشرق الأوسط، جعلت الصحراء تزدهر”. خلال الحرب بين إسرائيل وحماس عام 2023، في 13 أكتوبر 2023، زارت إسرائيل للتعبير عن تضامنها مع إسرائيل، تعرضت لانتقادات عدة من قبل المشرّعين والدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي لدعمها إسرائيل وعدم دعوتها إلى وقف إطلاق النار. كان من بين ما انتقد موقفها المؤيد لإسرائيل منسق السياسة الخارجيّة بالاتحاد الأوروبيّ جوزيب بوريل والذي قال: إنّه يقوض الموقف الجيوسياسي لأوروبا.
بقراءة الفائت تترسخ رؤية الشرخ الكبير الذي لا يبدو أنّ ألمانيا تتعلم من تركه هشا معرض للانهيار جديد مثل هزيمة المحور محاكمات نورمبرج، وتدمير علاقاتها المصلحية مع روسيا، بل وقيادة الاتحاد كلّه نحو هذا المصير الذي لا تتفوق فيه قوة على أخرى إلّا بحربٍ تقليديَّة أو شاملة يدمر فيها طرف أخاه. وتبقى فون دير لاين و أنجلينا بايرن بوك فريدريش ميرتس ثلاثة أوجه تتخبط لا تزال في خطايا ألمانيا النّازيَّة تتشدد بشطط انحيازًا لإسرائيل، متغافلين أنّ الإبادة الجماعيّة تثبُتُ ثبوتًا عليهم، وأنّ ما انهد فوق رؤوسهم سالفًا، سينهد لاحقًا بلا أمجاد.





