مجتمع

السوريون بعد التحرير.. هل مازالت اللغة التركية أولوية؟

يوليو 26, 2025

السوريون بعد التحرير.. هل مازالت اللغة التركية أولوية؟

 ديانا قصير

 

منذ بداية موجات اللجوء السوري إلى تركيا، شكّلت اللغة التركية جسراً أساسياً للتواصل والاندماج في المجتمع الجديد. لم تكن مجرد أداة للتخاطب، بل بوابة للانخراط في سوق العمل، والحصول على الخدمات، والتأقلم مع واقع الحياة اليومية في بلد فتح حدوده واحتضن ملايين السوريين.

 

لكن مع التطورات الأخيرة، وخصوصاً بعد تحرير سوريا وعودة أعداد متزايدة من السوريين إلى وطنهم، بدأت تتغير طبيعة العلاقة مع اللغة التركية، هل ما زال السوريون يقبلون على تعلمها؟ أم بدأت الحاجة إليها تتراجع؟ هذا ما نحاول تسليط الضوء عليه من خلال هذا التقرير.

 

 

انخفاض الإقبال على تعلم اللغة التركية بعد التحرير

 رغم أن اللغة التركية شكّلت عنصراً أساسياً في حياة السوريين خلال اللجوء، إلا أن الاهتمام بها بدأ يتراجع لأسباب متعددة، من بينها تغيّر الأهداف الشخصية وتوجه البعض نحو لغات أكثر فائدة في سوق العمل العالمي.

 

وفقاً لما قاله الدكتور محمد زبدية، مدير مؤسسة “زدني علماً” لتعليم اللغة التركية لموقع “سطور” فقد لوحظ انخفاض كبير في أعداد السوريين الملتحقين بدورات اللغة، لا سيما بعد تحرير  سوريا  وعودة الكثير من اللاجئين إلى وطنهم.

 

وأوضح أن هذا التراجع أدى إلى إغلاق بعض المعاهد الصغيرة، بينما لجأت أخرى إلى تقديم التعليم عبر الإنترنت لتقليل التكاليف، كما أن عدداً من المدرّسين بدؤوا بالبحث عن وظائف بديلة بعدما تراجع الإقبال على الدورات التعليمية.

 

من جهة أخرى، يرى البعض أن الحاجة إلى اللغة التركية لم تعد كما كانت في السنوات الأولى من اللجوء، بل باتت محدودة بالاستخدامات اليومية أو الرسمية، مما جعل الكثيرين يعيدون التفكير في جدوى مواصلة التعلم.

 

حيث أكد الأستاذ قتيبة جاموس من أكاديمية “هيا نتعلم”  التراجع الحاد في أعداد السوريين المقبلين على تعلم اللغة التركية، وأن الإقبال انخفض بنسبة 80%، ما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل تعليم اللغة في تركيا، وتحولات في قاعدة المتعلمين ونيّة العودة.

تغيرت تركيبة المتعلمين السوريين بشكل جذري. لم يعد الإقبال من غالبية أفراد الجالية، بل بات يتركز بشكل شبه كامل على “المجنسين وأصحاب الأعمال ورؤوس الأموال من تجار وأصحاب شركات”. هذا التحول يشير إلى أن الفئات الأخرى، التي كانت تشكل جزءاً كبيراً من المتعلمين سابقاً، قد فقدت اهتمامها.

 

 

 

تجارب شخصية متباينة بين الاستمرار والانسحاب

 التجارب الفردية تعكس تبايناً في الاختيارات ، إذ قالت “روان” لسطور إنها لم تعد تشعر بالشغف تجاه تعلم اللغة التركية بسبب بعض المواقف العنصرية التي تعرضت لها، وفضّلت تعلم اللغة الإنكليزية التي تراها أكثر فائدة وانتشاراً عالمياً، في حين أن اللغة التركية محدودة الاستخدام، خاصة مع نيتها العودة إلى سوريا.

 

في المقابل، ما يزال آخرون يرون أهمية الاستمرار، ومنهم “رهام” التي ذكرت أنها تتابع دراسة المستوى الثالث (B1) من اللغة التركية لتسهيل تواصلها مع معلمات ابنتها في روضة الأطفال. وأكدت أنها ترى في تعلم التركية فرصة مهمة لمستقبلها، وتطوير ذاتها، سواء في مجال العمل أو الترجمة، وخصوصاً مع استمرار العلاقات والروابط بين تركيا وسوريا.

 

 

اللغة التركية: جسر يتكيف مع واقع متغير 

 

رغم انخفاض أعداد المتعلمين ، يبقى تعلم اللغة التركية خياراً مطروحاً لدى من يرون فيه أداة للتطور والتواصل، في ظل واقع متغيّر تتداخل فيه الحاجة بالفرصة، والهوية بالاستقرار.

 

ففي ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها ملف اللاجئين السوريين، تتبدل أولويات الكثيرين، ويبرز تعلم اللغة التركية قضية مرتبطة بالسياق الفردي والواقع الجديد لكل شخص، فبين من عاد إلى سوريا وقلّت حاجته لها، ومن بقي في تركيا أو على تماس دائم معها، يظل القرار متعلقاً بالرؤية الشخصية للمستقبل.

 

ما لا يمكن إنكاره أن تعلم اللغة التركية شكَّل جسراً مهماً بين السوريين وتركيا خلال سنوات اللجوء، إذ لم يكن مجرد وسيلة للتواصل، بل رمزاً للتأقلم مع الوطن المؤقت الذي فتح أبوابه ومدَّ يده في لحظات الحاجة. ومع تحرير سوريا وعودة البعض إلى ديارهم، بدأت تتغير نظرة السوريين إلى هذه اللغة، بين من يرى أن الحاجة لها تقل، ومن ما زال يرى فيها فرصة لمستقبل مهني أو اجتماعي أفضل، سواء داخل تركيا أو على حدودها القريبة.

 

فالعلاقة بين سوريا وتركيا لم تعد مجرّد علاقة لجوء، بل تشابك إنساني وثقافي وحياتي، يجعل من اللغة عاملاً مشتركاً قد يفيد في العمل، في الترجمة، في التعليم، أو حتى في تعزيز الروابط بين شعبين تجمعهما جغرافيا واحدة وتاريخ طويل من الجوار.

 

اليوم، وفي ظل التغيرات الحاصلة، يقف كثير من السوريين في مفترق طريق: هل يكملون تعلم اللغة التركية كاستثمار للمستقبل، أم يتجهون نحو لغات أخرى أوسع انتشاراً؟ ومع ذلك، تبقى التجربة بحد ذاتها دليلاً على قدرة الإنسان على التكيف، والبحث عن أدوات جديدة للنجاة والنجاح أينما كان، وستبقى حاضرة في الذاكرة الجماعية، سواء أداة للتواصل أو رمز لمرحلة مفصلية من حياتهم.

شارك