مجتمع

معاناة طالب يحلم فقط بعناق أمّه

يوليو 25, 2025

معاناة طالب يحلم فقط بعناق أمّه

– هبة ماهر

 

بين المعبر والجامعة، بين بطاقة الحماية المؤقتة وورقة الإذن يقف الطالب السوري كمن يمشي على حبل مشدود بين وطنين بلا ضمانات؛ إجراءات معقدة، خوف دائم وغياب للشفافية متاهات معقدة، لا سيما منذ أن فُتح باب التقديم على الزيارة، شهد الكثير من الطلاب السوريين معاناة حقيقية أثناء تقديم أذونات السماح لهم بالنزول إلى سوريا ورؤية عوائلهم وفي هذا المقال سوف أسلط الضوء على هذه الصعوبات من عدّة جوانب؛ الإدارية والإجرائية، الأمنيّة، النفسية والاجتماعية، المالية واللوجستية، والقانونية، استلهمتها من واقع فرض على الطلاب الكثير من الإجراءات كأوراق مطلوبة بلا تفسير ومدة انتظار طويلة وعدم وضوح الأوراق المطلوبة والحالة النفسية التي عاشوها قيد الانتظار والأمل.

الصعوبات الإدارية والإجرائية: بيروقراطية بعقلية الورق

رغم انتماء الطلاب السوريين في تركيا إلى جيلٍ يعيش في عالم رقمي متسارع، يُجبرون عند تقديم طلب النزول إلى سوريا على التعامل مع إجراءات تنتمي إلى زمن آخر؛ حيث الورق ما يزال سيد الموقف، والردود تأتي  -إن أتت- متأخرة، غير واضحة، وأحياناً شفوية بلا توثيق. تُستخدم تقنيات بدائية في استقبال الطلبات أو معالجتها، في ظل غياب منصات إلكترونية فعّالة أو نظم متابعة شفافة. ويجد الطالب نفسه مضطراً إلى تكرار الإجراءات أكثر من مرة، أو اللجوء إلى وسطاء، ليس لتجاوز القانون، بل لتجاوز التخبط. هذه البيروقراطية المرهِقة لا تستهلك فقط وقت الطالب، بل طاقته النفسية، وثقته بالجهات التي يُفترض أن تسهّل له سبل العودة الآمنة المؤقتة.

 الخوف من قطع الطريق على المستقبل: العودة المجهولة

بالنسبة للطالب السوري، لا تقتصر المخاوف الأمنية على ما قد يحدث داخل سوريا فحسب، بل تمتد إلى ما بعد الزيارة: هل سيُسمح له بالعودة إلى تركيا؟ تتردد هذه الجملة كظلّ ثقيل في ذهن كل من يفكر في النزول، خاصة مع غياب ضمانات حقيقية تسمح بعبور آمن في الاتجاهين. الخوف من منع الدخول مجدداً، أو إلغاء بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، أو التورط في أي إجراء أمني قد يعيق العودة، يحوّل زيارة الأهل إلى مغامرة قد تنتهي بقطع مسار التعليم بالكامل. وبدل أن تكون الزيارة استراحة وجدانية قصيرة، تصبح رهاناً على المستقبل برمّته: إما أن يعود الطالب إلى جامعته، أو يُحبس خلف الحدود، معلقاً بين قلق الأهل هناك وخسارة كل ما بناه هنا.

 الانتظار استنزاف نفسي

ليست الصعوبة في تقديم الطلب، بل في الانتظار الذي يليه. ذاك الفراغ الزمني المعلّق بين “أرسلنا الطلب” و”بانتظار الموافقة” يتحوّل سريعاً إلى ضغط نفسي صامت ينهك الطالب يوماً بعد يوم. لا مواعيد واضحة، ولا ضمانات، ولا طريقة لمعرفة أين وصل الطلب، أو هل تم النظر فيه أساساً. الطالب الذي كان يجب أن ينشغل خلال العطلة بتعلم شيء جديد أو يسعد بلقاء أهله بعد سنوات الغربة الطويلة، ينشغل بفتح هاتفه كل ساعة، ومراقبة بريده، أو سؤال معارفه إن سمعوا خبراً. الانتظار يتحول إلى قلق، ثم إلى شك، ثم إلى شعور باللاجدوى… وكأن الموافقة المنتظرة لم تعد فقط إذناً بالنزول، بل صكّ اعتراف بوجوده وحقه في التنقل كباقي البشر.

عبء الورق: التكاليف التي لا يراها أحد

قبل أن يفكر الطالب في حجز بطاقة السفر، عليه أن يجهّز ملفاً من الأوراق والمستندات، وكل ورقة تحمل سعرها. تصديقات، ترجمة، نسخ، نوترة، رسوم معاملات، أجار توصيل الأوراق، أو اضطرراه للدفع من أجل توكيل شخص آخر وكل ذلك في سياق اقتصادي هشّ يعاني فيه أغلب الطلاب السوريين في تركيا من دخل محدود أو انعدام الدعم. بعض المعاملات البسيطة التي لا تتعدى ورقة واحدة قد تكلّف ما يعادل أسبوعاً من مصروفه، بل ويُجبر أحياناً على دفع مبالغ مقابل “تسريع الإجراءات” أو بسبب عدم وجود جهة رسمية واضحة. وهكذا، تتحول زيارة الأهل إلى مشروع مالي مرهق، قد يعجز عنه الطالب رغم حاجته النفسية والإنسانية إليه.

ممنوع من الطلب: قانون لا يرى الطالب

ليست كل الأبواب تُفتح بمجرد الرغبة، فبعض الطلاب يُحرَمون من تقديم طلب النزول إلى سوريا منذ البداية، لا لسبب واضح أو معلن، بل بسبب ثغرات قانونية، أو أوضاع إدارية معقّدة، أو تحديثات مفاجئة في الشروط. طالب لم يُحدّث بياناته في الوقت المحدد، أو آخر فقد “الكيملك” ولم يتمكن من استعادته، أو من لا يملك إقامة رسمية رغم أنه يدرس… هؤلاء يُستبعدون بصمت من حقهم في تقديم الطلب، وكأن القانون لا يعترف بوجودهم أصلاً. هذا الحرمان لا يوقف فقط حق الزيارة، بل يُشعر الطالب بأنه مجرّد من حقه في الحركة، والقرار، والانتماء، وكأن وضعه القانوني الهشّ بات حاجزاً بينه وبين عائلته، لا ورقة ناقصة فحسب.

مطالبة بإنصاف طلاب التعليم المفتوح
من بين المشكلات التي برزت بوضوح في تجربة العديد من الطلاب، ما يتعلّق بالتمييز غير المبرر في التعامل مع طلاب “التعليم المفتوح”، الذين غالباً ما يُستثنون من التقديم على طلبات الزيارة إلى سوريا أو تُرفض طلباتهم تلقائياً. رغم أنهم طلاب جامعيون مسجلون رسمياً، ويواجهون نفس الظروف والتحديات التي يعيشها زملاؤهم في الجامعات التقليدية، لا تعترف السياسات الحالية بمساواتهم في الحقوق، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة عاجلة. إنّ المطالبة بمعاملة طلاب التعليم المفتوح معاملة الطلاب النظاميين ليست فقط مطلباً إنسانياً وأكاديمياً، بل هي جزء من ضمان العدالة والحد من التمييز في حق الوصول والعودة.

هذه أبرز التحديات التي واجهت الطلاب خلال تقديمهم الأوراق متطلعين إلى تسهيل سفرهم إلى عوائلهم في المرات القادمة وتفهم الدولة وضع الطلاب المادي السيئ والتساهل في الأوراق وإنشاء منصات إلكترونية لتقديم الطلبات. قد آن الأوان لإعادة النظر في هذه الإجراءات التي تحوّل الزيارة إلى عبء، والطالب إلى شخص مستنزف. لا بد من آلية واضحة، عادلة، وإنسانية تحفظ حق الطالب في التنقل، وتُبقي الجسور بينه وبين بلده سالكة.

شارك

مقالات ذات صلة