Blog
يعجب الإنسان حين يتأمل حال الشعب الفلسطينيّ العظيم ومقاومته الأسطوريّة في قطاع غزّة، هل هؤلاء بشرٌ مثلنا؟! وهل يعرف التّاريخ الحديث صمودًا وثباتًا وعزًا وشرفًا يقارب ما يقدّمه هذا الشعب المناضل ومقاومته الملهمة؟!
إنّ ما يسطّره الفلسطينيون شعبًا ومقاومة لما يقارب العامين إنّما يُشكل ملحمةً يمكن أن نتوقف كلّ يَومٍ عند معانيها الخالدة، كما يجب أن نتابع كلّ يَومٍ أيضًا تطوراتها الميدانيّة والسياسيّة، والتي من بين أهمّها في هذه اللحظة:
١- تُثبت المقاومة بالفعل والقول أنّها أعدّت نفسها لمعركة استنزافٍ طويلةٍ، لا يبدو أنّ الاحتلال قادر في نهايتها على انتزاع استسلام لا توجد عليه أيّ مؤشراتٍ، رغم كلّ ما تقدّمه المقاومة من تضحيات، ورغمًا عن كلّ ما يرتكبه الاحتلال من إبادةٍ جماعيّة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وتدمير كامل لأسباب الحياة ومقوماتها الأساسيّة في قطاع غزّة.
٢- يُثبت الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة أنّ تمسكه بأرضه ودفاعه عن قضيّته قد فاق كلّ ما بذلته الشّعوب الأبيّة في مواجهة المحتّلين ووكلائهم فيما هو معروف ومسجّل في التّاريخ الإنسانيّ، وأنّ هذا هو السبب الوحيد الذي أفشل حتى الآن مخططات اقتلاعهم من أرضهم، وهي المؤامرة التي ما تزال قائمة وتأخذ صورًا متعددة تهدف في النّهاية إلى نتيجةٍ واحدة وهي تفريغ الأرض الفلسطينيّة من أصحابها لصالح الصهاينة المستعمرين.
٣- أنّ فشل الكيان المحتّل في تنفيذ خططه المعلنة في فلسطين وفرضه السّيطرة على المنطقة والإقليم لن يستفيد منه الفلسطينيون فقط وإنّما كل الشّعوب العربيّة ونحن أوّلها، وهو الأمر الذي يجب أن يحكم طريقة تعامل السّلطة مع هذه القضية التي تدخل في صميم الأمن القوميّ المصريّ، مع كلّ الأسباب الأخلاقيّة والقانونيّة والإنسانيّة والأخويّة التي تفرض علينا الكثير جدًّا ممّا طالبنا به مرارًا وتكرارًا على مدار الـ ٢١ شهرًا الماضية، وما زلنا نطالب به.
٤- استمرار فشل النظام الدوليّ وعجزه عن القيام بواجبه في تطبيق القانون الدوليّ، وحماية السلم والأمن الدوليين، وإيقاف الجرائم التي يشهد بها وعليها قادة المنظمات والمؤسسات الدوليّة وفي مقدمتها الأمم المتحدة، وذلك أمام التّواطؤ التام لأمريكا وشراكتها الكاملة للاحتلال في حروبه وجرائمه، مع العجز والصمت من غالبية الدول، أو الاكتفاء من الأقلّيّة الباقية بالتضامن بالكلمات أو حتى الإجراءات البسيطة والرمزيّة التي لا تكفي لردع المُعتدِي ولا لنجدة أو إغاثة المُعتدَى عليهم.
٥- الحديث الأخير منذ أيامٍ للمتحدث العسكريّ باسم كتائب القسّام (كبرى الفصائل المسلحة لحركات التّحرّر الوطنيّ الفلسطينيّ) الذي قدّم خلاله العديد من النّقاط شديدة الأهمّيّة، والتي يجب أن نتوقف عندها جميعًا، وعلى وجه الخصوص الشكوى من الخذلان، وعدم قبول التحجج بالعجز مما سمّاها أمّة المليارين عن إدخال الغذاء والدواء لأهل غزّة الذين يموتون جوعًا وعطشًا وهم محرومين من العلاج.
إنّ المتحدث باسم حركة تحرُّر وطنيّ تجابه أعتى وأعنف احتلال وحشيّ همجيّ، ومن خلفه أكبر القوى الدوليّة عندما يصل به إحساس المرارة والحسرة من أشقائه بأن يخاطب “قادة الأمّة الإسلاميّة والعربيّة، ونخبها وأحزابها الكبيرة، وعلماءها” فيقول لهم: “أنتم خصومنا أمام الله عز وجل، أنتم خصوم كلّ طفلٍ يتيم وكلّ ثكلى، وكلّ نازحٍ ومشرد ومكلوم وجريح ومجوع. إنّ رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خذلوا بصمتكم، وإنّ هذا العدو المجرم النّازي لم يكن ليرتكب هذه الإبادة على مسمعكم ومرآكم إلّا وقد أمن العقوبة، وضمن الصمت واشترى الخذلان. لا نعفي أحدًا من مسؤولية هذا الدم النّازف، ولا نستثني أحدًا ممّن يملك التحرك كلّ بحسب قدرته وتأثير، عندما يصل به الحال إلى قول ذلك، فإنّه يعصر قلوبنا ويوجع ضمائرنا ويرغمنا ونحن نقوم بأقل ما يجب (أمانة الكلمة) أن نقول: ونحن أيضًا يا أشقاءَنا في فلسطين نتبرأ من عار الصمت والخذلان والتّواطؤ، ونحن معكم نختصم كلّ متورّطٍ في شيءٍ منها أمام الله جلّ في عُلاه.





