سياسة

دَوْرُ المُخَابَرَاتِ البَرِيطَانِيَّةِ فِي جَرِيمَةِ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ فِي غَزَّةَ (٢) – الجَوَاسِيسْ!

يوليو 20, 2025

دَوْرُ المُخَابَرَاتِ البَرِيطَانِيَّةِ فِي جَرِيمَةِ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ فِي غَزَّةَ (٢) – الجَوَاسِيسْ!

كشف Declassified UK وهو موقع للاستقصاء الصحفيّ أنَّ فريقًا من الجواسيس البريطانيين يساعد إسرائيل أثناء قيامها بحربها على غزّة. نشرت المنصة تحقيقًا في الحادي عشر من يونيو ٢٠٢٤ تحدَّث عن تسريبٍ لنيويورك تايمز آنذاك ألقى مزيدًا من الضوء على الدور الخفيّ لبريطنيا في جرائم إسرائيل في غزّة. في تحقيق سابق أثبتت  Declassified UK أنّ الجيش البريطانيّ أرسل ٢٠٠ رحلة تَجَسُّس فوق غزّة لإسرائيل.

أثبتنا في التحقيق السابق إرسال العتاد المباشر وتحريك مدنيين وعسكريين من وإلى قاعدة RAF Akrotoro البريطانية في قبرص إلى إسرائيل،  كما اقتفيتُ مسار الرحلة RRR9943 التي ترددت بين القاعدة البريطانيّة في قبرص RAF A400M وإسرائيل عدة مرات في الشهر منذ بداية حرب الإبادة على غزّة


اجتماع CIA مع MI6 سبتمبر ٢٠٢٤

اجتمع رئيس الاستخبارات الأمريكية CIA ويليام بيرنز ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية MI6 ريتشارد موور لما قالا أنّه لاستغلال طاقتي الجهازين وفتح التعاون الاستخباراتي للدولتين لضبط ”الأمور“ وخفض التصعيد.

 حررته وكالة الأنباء أسوشييتد برس ونقلته الأهرام الإلكترونية .

ما يهمني في هذا التقرير الخبريّ يخص الدور البريطانيّ الآن في الحرب على غزّة. على الرغم من عدم اتفاق على وقف إطلاق النار وخفض التصعيد في مقترحات الاستخبارات الأمريكيّة والبريطانيّة، اضطرت بريطانيا ”اضطرارًا لتعليق بعض صادرات السلاح إلى إسرائيل نهاية ذلك الاجتماع خشية تخطي حدود القانون الدوليّ. وهذا مربط الفرس في تحقيقنا هذا في هذا الجزء من التحقيق. 


استنتاجٌ لثلاثة محققين صحفيين

بمضاهاة ماأثبتته Declassified UK ، و نتائج تحقيقي السابق  على سطور وما أثبته Matt Kennard، لنسأل عن ماهية الرحلة قبل الأخيرة في الثالث من يوليو ٢٠٢٥ ومسار الاجتماعات الأخيرة بين رئيس القوات الجوية الإسرائيليّة تومر بار في بريطانيا مع قيادات في القوات العسكريّة البريطانيّة– وعما إذا كانت هذه الرحلة بالذات قد هبطت في إسرائيل لتنقل ”عناصر“ وليس بالضرورة رعايا بريطانيين طالما أن الحكومة البريطانيّة لم تطلب علنًا إجلاء رعايا أو حتى دبلوماسيين، نسأل هل تحوّلت الرحلة القادمة من قبرص RAF A400M إلى إجلاء جواسيس من إسرائيل إلى القاعدة البريطانيّة في قبرص (سرا)؟ ما نعلمه وفقًا للأدلة البصرية أنّ جنودًا وصلوا على متن الطائرة لهذه المهمة،  من ثَمَّ نسأل لماذا لم يُكشف عن هويات المسافرين ولم نسمع عنهم من بعدها في أي وسيلة إعلام كانت؟

اطلعْتُ على  تقرير المراقبة  الصادر للقوات الملكيّة البريطانيّة عن الرحلات الجويّة البريطانيّة فوق المجال الجويّ للأراضي الفلسطينيّة المحتلة في الفترة ما بين ٣ ديسمبر ٢٠٢٣ و ٢٧ من مارس ٢٠٢٥، ووجدت أنّ القوات الملكيّة البريطانيّة قامت ب ٥١٨ إقلاعٍ جوي معلنٍ مرصود في تقاريرها الاستخباراتيَّة العلنيَّة تحت ضغط الصحافة ومساءلات النواب في مجلس العموم.

هل بريطانيا متورطة في حرب الإبادة الجماعيّة في عين القانون الدوليّ الجنائيّ؟ 


الشق السياسيّ:

في وثائق كُشف عنها في الثاني عشر من ديسمبر ٢٠٢٤ أجاز مكتب التجارة الخارجيّة ٣٤  رخصة تصدير سلاح لإسرائيل بعد أقل من شهرين من إعلان دافيد لامي وزير الخارجية البريطانيّ تعليقًا جزئيًا ل ٣٠ رخصة من أصل ٣٥٠ لتصدير السلاح إلى إسرائيل في سبتمبر ٢٠٢٤. التعليق افتراضًا كان يشمل أجزاء من مقاتلات مقاتلة وطائرة مروحية ومسيرات، خشية ”تورط“ بريطانيا في ”انتهاك القانون الإنسانيّ الدوليّ“.

تلتزم بريطانيا في هذا الشأن اصطلاحًا على ما يجري في غزّة من مشاهد جريمة مكتملة الأركان للإبادة الجماعيّة بغير ذلك؛ إذ تلتزم بأنّ ما يجري على فظاعته ”جريمة حرب“. لم يعترف الخطاب الرسمي أبدًا بها ”إبادة جماعية“  ولذلك دلالة أبني عليها هذا الجزء من الدور البريطانيّ في الحرب على غزّة. أرصد الإصرار البريطانيّ على توصيف ما يحدث في غزّة بأنّه حرب ترتكب فيه إسرائيل جرائم ضد الإنسانيّة وليس وضعوا تحتها خطين ”إبادة جماعيّة“. كيف؟ ولماذا؟


عريضة ال ٣٨٠ 

في الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥ أحرج ٣٨٠ كاتبا بريطانيا وأيرلندياً الحكومة البريطانيّة؛ حين وقعوا عريضة سَمّوا  فيها ما تفعله إسرائيل بغزّة ”إبادة جماعيّة“ داعين لوقف فوري لإطلاق النار. عشرات بل مئات رسائل التضامن حول العالم وقعتُ منها بالأصالة عن نفسي الكثير بكل ما أجيد من لغات، وكان لجزء من كلماتهم وقعٌ مميز من بينها: «لا يتعلق الأمر فقط بإنسانيتنا المشتركة وجميع حقوق الإنسان؛ بل يتعلق أيضًا بأهليتنا الأخلاقيّة ككتاب عصرنا، والتي تتضاءل يومًا بعد يوم كلما رفضنا التحدث علنًا وإدانة هذه الجريمة».. واختتم الكتاب رسالتهم بالقول: «هذه الإبادة الجماعية تُورّطنا جميعًا.. نحن شهود على جرائم الإبادة الجماعيّة، ونرفض إقرارها بصمتنا».

لماذا تصر بريطانيا على توصيف حرب الإبادة الجماعية على غزة بأنها ”جرائم الحرب“؟ 

بريطانيا لا تسمي أبدًا في العلن في خطابات أو مكاتبات أو الأمم المتحدة في الحديث عن مأساة غزّة ”الإبادة الجماعيّة“ لما يدور هناك؛ حتى بعد أن أقرته الأمم المتحدة وشاهده مليارات الملتفين حول الشاشات والهواتف والميديا المصطلح بأمّ عينه بوحشية كالشمس في السماء..

لماذا؟!


الشق القانونيّ:

١. الفارق بين ”جريمة الحرب“  وجريمة ”الإبادة الجماعيّة“ فرق شاسع في القانون الدوليّ

  • جريمة الحرب أو الجريمة ضد الإنسانيّة أقل وطأة لأنها ترتكن إلى أفعال تُرتكب وقت الحروب من طرف أو من أطراف الحروب تعتبر مثلًا استهداف المدنيين جريمة حرب وقصف واستهداف المستشفيات وضرب المنشآت التي يشتبه في وجود عناصر ”العدو“ أو الذخيرة هدفًا. كلّ ذلك يجرمه القانونان الدوليّ والإنسانيّ لكن الضير على الدولة أو أفراد فيها حتى حين توجيه هذه الاتهامات من قبل المدعين إمّا في محاكماتٍ خاصة أو في الجنائيّة الدوليّة (بالنسبة للأفراد) أقل وطأة وأقل تلطيخًا لسمعة دولة بحجم بريطانيا.
  • جريمة الإبادة الجماعيّة؛ وهي جريمة تشين الدولة؛ على الرغم من كون المتهمين فيها هم أفراد بصفتهم المهنية وقت وقوع الجريمة ويتحقق منها المدعي العام بالمحكمة الجنائيّة الدوليّة فيلزم فيها ”النية“ الجنائيّة لإبادة يسميها المجرمون عرفًا أحيانًاتطهيرًا“؛ يلزم فيها النية المبيتة أو القصد لارتكاب الجريمة  بهدف واعٍ لإبادة مجموعة  بشريّة كاملة بسبق ارتكاب فعل الإبادة والمحو عن الوجود لجماعة عرقيّة (كما يحدث في غزّة الآن) – إثنية – دينية، إلى آخره. هي جريمة ثابتة في حالة إسرائيل أمام مؤسسات الأمم المتحدة والقانون الدوليّ المعني بالتحقيق حتى اللحظة وبسبب إثباتها تتعرض مفوضة لا يختلف على نزاهتها ضمير به ذرة من إنسانيّة لشجاعتها وصلابة حجتها أمام كل هذا التواطؤ؛ فرانشيسكا ألبانيز Francesca Albanese المفوضة الخاصة عن الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينيّة المحتلة لتضعها كزرع الوتد في الأرض، ولحقها مسؤولون أمميون كانوا أكثر تَحفُّظًا  في السابق مثل الأمين العام الحالي أنطونيو جوتيريش لتعلنها على الملأ جريمة إسرائيليّة ل”الإبادة الجماعيّة في غزّة“. 

٢. محكمة العدل الدوليّة – الرأي الاستشاريّ بشأن عدم قانونيّة وجود الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة ١٩ يوليو ٢٠٢٤:

 لم تصدر محكمة العدل الدوليّة قرارًا يجيز المقاومة بكافة أشكالها في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. ما صدر هو رأي استشاري بشأن التبعات القانونيّة للاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة، حيث أكدت المحكمة على عدم شرعية الاحتلال وطالبت بإنهاء التدابير التي تسبب تغييرًا ديموغرافيًا أو جغرافيًا في الأراضي المحتلة. 

الرأي الاستشاريّ
محكمة العدل الدولية أصدرت رأيًا استشاريًّا بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس حكمًا في قضية محددة. هذا الرأي غير ملزم لإسرائيل أو لأي طرف آخر. 

على الرغم من أنّه غير ملزم، إلا أن الرأي الاستشاريّ له أهمية كبيرة لأنّه يعزّز الموقف القانونيّ للفلسطينيين ويوضح مسؤولية إسرائيل بموجب القانون الدوليّ.

وعلى الرغم من أن هذا الرأي غير ملزم لإسرائيل، وأنّ المحكمة لم تتطرق بشكلٍ مباشر إلى مسألة المقاومة، لكن رأيها الاستشاريّ المبني على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أكَّد على حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير المصير. بعض الدول والمنظمات اعتبرت أنّ هذا الحقّ يشمل حق المقاومة، ولكن هذا ليس ما أقرته المحكمة بشكل رسمي.



الرأي المستقل للقاضي – محكمة العدل الدوليّة بشأن جدار الفصل العنصريّ٢٠٠٤ 

في الثالث عشر من يوليو ٢٠٠٤ عُقدت الدورة العاشرة الاستثنائيّة الطارئة، كان على جدول أعمالها في الجلسة: 

  • الأعمال الإسرائيليّة غير القانونيّة في القدس الشرقيّة المحتلة.
  • الآثار القانونيّة الناشئة عن تشييد جدار  جدار في الأرض  الفلسطينيّة المحتلة.
  • في الجلسـة الثالثـة والعشـرين مـن الـدورة الاسـتثنائية الطارئـة العاشـرة المعقـودة في ٨ كـانون الأول/ديسـمبر ،٢٠٠٣ قـررت الجمعيـة العامـة، في القـرار -10/14ES، وفقـًا للفقـرة ١ من المادة ٩٦ من ميثـاق الأمـم المتحـدة.
  • أُحيل القرار للبت فيه ل ٩ يوليو ٢٠٠٤، وخرج بقرار  يمكن لحضراتكم الاطلاع عليه، ذُيّلَ بما يسمى رسميًّا ”الرأي المستقل للقاضي“ وقد كان في هذه الدورة الطارئة القاضي كان  هيتاشي أوادا. كان شديدًا جدًّا فيما يتعلق تحديدًا بإحدى وثلاثين نقطة بينهم أربع نقاط تستميت إسرائيل وحلفاؤها ألا يتداول في العلن:  
  • ”وفي رأيي…( فيمـا يتصـل بحجج إسـرائيل في هـذه المسألة إنّمـا يؤكد النقطة التي أثيرها. فقد تذرعت إسرائيل بأنّ الغرض الوحيد من الجـدار هـو تمكينها من التصدي بشكل فعّال للهجمات (….) التي تنطلق من الضفة الغربيّة، أو على حد تعبير تقريـر الأمـين العـام، “لإيقـاف التسرب إلى داخـل إسـرائيل مـن المنـاطق مـن الوسـطى والشـمالية للضـفة الغربيـة’’ (الفتوى، الفقرة ٨٠). 
  • غير أنّ المحكمة، في الفقرة ١٣٧ من الفتوى، تقـرر ببساطة هنـا ‘‘مـن واقع المواد المتاحة لها، لم تخلص إلى قناعة بأنّ المسار المحدد الذي اختارته إسـرائيل للجـدار أمـر يقتضيه تحقيق أهدافها الأمنية’’. ويبـدو واضـحًا لي أنّ المحكمـة تعترف هنـا في واقع الأمر بعدم توفر مـواد مفصـلة عـن هـذه النقطـة مـن الجانـب الإسـرائيليّ، أكثـر كونهـا تـرفض حجـج إسـرائيل اسـتنادًا إلى المـواد الـتي قـد توفرهـا إسـرائيل بشـأن هـذه النقطـة. 
  • ثمّ في الفقرة ١٤٠ من الفتوى، الفتـوى، تستند المحكمـة ببساطة إلى ‘‘المـادة المطروحة عليهـا’’ لكـي تعرب عن عدم اقتناعها بأنّ ‘‘تشييد الجدار علـى امتـداد الطريـق المختـار هـو السبيل الوحيد لصون مصالح إسرائيل من الخطر الذي احتجت به تبريرًا لتشييد ذلك الجدار’’.   
  • (….)“ ذلك أن تشييد الجدار يظل – على نحو ما أثبتته المحكمـة بصـورة دامغة – يشكل انتهاكًا للالتزامـات الواقعـة علـى عـاتق إسـرائيل، ومـن بينها الالتزامات الواقعـة عليهـا بموجب لوائح لاهـاي المتعلقـة بقـوانين وقواعد الاشتباك واتفاقيّة جنيـف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمـن الحـرب، مـا لم يكـن ثمَّـة مـا يبرر خـرق تلـك الوثيقـة.“

بناء على كل ذلك أُعيد مساءلة الحكومة البريطانيّة بناء على الاستنتاج المبني على الأدلة والاستدلالات والقرائن عن دَوْرُ المُخَابَرَاتِ البَرِيطَانِيَّةِ فِي جَرِيمَةِ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ فِي غَزَّةَ.

شارك

مقالات ذات صلة