مجتمع
في زحمة الشوارع السورية مشاهد رغم قسوتها صارت مألوفة، يركض طفل حافي القدمين بثيابه الممزقة خلف المارة، يتنقل من شخص لآخر في شارع يوسف العظمة في العاصمة السورية دمشق، يمد يده الصغيرة في محاولة للحصول على أي شيء. بعضهم يبعده بقسوة، وآخر يقول له: “روح لعند أهلك يا عمي!”، كأن هذا الطفل اختار أن يكون في هذا المكان.
وتحت أحد الجسور، تتكرّر المشاهد القاسية ولكن هذه المرة لطفل آخر يرقد فوق قطعة كرتون مهترئة يرتدي ثياباً متسخة وملامحه شاحبة تُظهر تعبه الذي أعمق من عمره، وسط عيون كثيرة تمر من جانبه، تنظر وتكمل طريقها، وكأنّ الأمر لا يعني أحداً أو أنهم غير قادرين على التدخل بالموقف.
هذه ليست مجرد مشاهد عابرة، بل واقع يومي يعيشه الكثير من الأطفال في سوريا بين تسول ونوم في الشوارع، وحرمان من أبسط حقوق الطفولة، الأمان والتعليم والرعاية.
بهدف التصدي لظاهرة تسول وتشرد الأطفال في البلاد، وتحقيق الحد الأدنى من الحماية لهم، تواصل موقع “سطور” مع الجهات الحكومية المعنية للاستفسار عن خططها لحمايتهم ورعايتهم وتأمين أبسط حقوقهم اللازمة.
وفي السياق، أكد خزامة النجاد، رئيس مكتب مكافحة التسول لموقع “سطور”، أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعمل بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، مثل وزارتي الداخلية والعدل، على تنفيذ حملات دورية لرصد هؤلاء الأطفال ونقلهم إلى مراكز ودور الرعاية، بعد إجراء دراسة أولية وتقييم لحالتهم والحصول على الموافقات اللازمة.
وأضاف رئيس مكتب مكافحة التسول، أنه يوجد حالياً مركزين تابعين للوزارة، الأول للفتيات في باب مصلى في حي الميدان بالعاصمة السورية دمشق، والثاني للفتيان في قدسيا في ريف دمشق، وتقدم هذه المراكز خدمات متعددة تشمل الإقامة والرعاية الطبية والنفسية والتعليمية والترفيهية، بالإضافة لإعادة الأطفال المتسربين منهم إلى المدارس وتعليمهم مهناً يدوية.
كما تعمل الوزارة على تطوير الخدمات داخل مراكز الرعاية، وتخطط لافتتاح مراكز جديدة متخصصة بالتنسيق مع المجتمع الأهلي لاستقبال وحماية هؤلاء الأطفال، على أن تكون مؤهلة بكوادر متخصصة وقادرة على توفير بيئة آمنة وحاضنة للأطفال المتسولين، وفق خزامة النجاد.
وتُعتبر متابعة الحالات بعد إدخالها إلى المراكز جزءاً أساسياً من العمل، حيث تُعنى الوزارة بوضع برامج لتمكين أسر الأطفال أيضاً، كخطوة وقائية من عودة الأطفال إلى الشارع مرة أخرى عبر تأمين بيئة خالية من الاستغلال.
وفي تصريح خاص لموقع “سطور”، أكد خزامة النجاد، رئيس مكتب مكافحة التسول، أن حماية الأطفال مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر جهود جميع الجهات الحكومية والمجتمع الأهلي، لتأمين بيئة آمنة خالية من الاستغلال، تحفظ كرامة الأطفال وتعيد لهم طفولتهم المسلوبة.
تبقى قضية أطفال الشوارع ظاهرة مؤلمة تجسد الواقع المعقد الذي يعيشه الكثير من الأطفال في سوريا، بين غياب الأمان والحاجة الماسة للدعم، تتشابك عوامل متعددة تزيد تفاقم هذه الظاهرة، لتصبح أشبه بمشكلة اجتماعية وإنسانية تحتاج إلى تضافر الجهود على كافة المستويات.
وحول هذه الظاهرة أوضحت الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك لموقع “سطور”، أن ظاهرة تسول الأطفال في سوريا لا تنبع فقط من الفقر، بل من آثار عميقة خلفتها سنوات الحرب. فالحرب غيّرت منظومة القيم داخل المجتمع، وخلخلت الروابط الأسرية، ما جعل بعض السلوكيات، ومنها التسول، تُعتبر مقبولة أو “أمراً واقعاً” لدى بعض العائلات التي دفعتها الحاجة لتكليف أطفالها بتأمين احتياجات الأسرة.
وأشارت عبد الملك، إلى أن فقدان الأطفال لأحد الوالدين أو لأشخاص مقربين خلال الحرب، خلّف لديهم فراغاً نفسياً كبيراً، وهذا الفراغ لا يعبرون عنه وغالباً ما يُترجم إلى سلوكيات مضطربة، كالتسول أو التسكّع، في محاولة غير واعية لتعويض ما فقدوه من أمان عاطفي واهتمام.
إن غياب البيئة الأسرية المستقرة يُعرض الأطفال لمخاطر كبيرة مثل العنف والتحرش والاستغلال، وقد يقودهم ذلك لاحقاً للانحراف والجريمة نتيجة غياب التوجيه والدعم النفسي، وفق الباحثة.
واختتمت الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك حديثها، بالتأكيد على أن الحل لا يكون عبر التبرعات العشوائية، بل من خلال دعم الجمعيات المختصة، وتأمين مراكز رعاية آمنة ومؤهلة، ودعت إلى تقديم الدعم المادي المشروط، مثل دفع رسوم المدارس أو تأمين الاحتياجات الأساسية للأطفال، مقابل التزامهم بالتعليم أو برامج التأهيل، إضافة لجلسات توعية لأسرهم لإعادة بناء القيم، ومنح الأطفال فرصة للنجاة من الشارع والعودة إلى الطفولة الحقيقية.
وفي تصريحه لموقع “سطور”، أكد رئيس مكتب مكافحة التسول خزامة النجاد، أن حماية الأطفال مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر جهود جميع الجهات الحكومية والمجتمع الأهلي، لتأمين بيئة آمنة خالية من الاستغلال، تحفظ كرامة الأطفال وتعيد لهم طفولتهم المسلوبة.
ويظل دعم الأطفال المتسولين وتأمين بيئة آمنة لهم مسؤولية جماعية تقتضي تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، فإننا عبر التعاون المشترك يمكننا توفير الحماية والرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال، وإعادة بناء مستقبلهم، بعيداً عن الشارع والمعاناة.