Blog

خرائط ترمب ومبادراته الملغومة!

يوليو 8, 2025

خرائط ترمب ومبادراته الملغومة!

لم تهدأ بعد زوبعة العبث الجغرافي والديمغرافي العاصفة بالمنطقة والإقليم، ورياح شرق أوسط باتّجاهات جديدة ومختلفة ما زالت تهبُّ علينا من على موائد صناع القرار في البيت الأبيض، حيث يعيش الواقع العربي مخاضًا جديدًا وعسيرًا مع إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومعه بنيامين نتنياهو مبادرات تتردد أصداؤها في غزة ولبنان حاليًا، الأولى لجهة وقف الحرب على القطاع وإطلاق سراح الأسرى، والثانية تحت عنوان نزع سلاح حزب الله في لبنان وإبرام تفاهمات جديدة ببنود وشروط تُحاكِي أحلام الطرفين العابثين بأمن المنطقة وحدودها وخرائطها.


في غزة وبعد الحديث المتكرر عن موافقة حماس على الورقة المطروحة عليها، طفت على السطح تعديلات أطاحت بمساعي انتزاع رد سريع ومتسرع من الحركة على ما قُدِّمَ لها من مبادرة ترمبية ملغومة لوقف إطلاق النار، وهي التي حظيت بموافقة نتنياهو وتقاطعت مع طموحاته. 

ورغم تصعيد حرب الإبادة والتجويع إلا أنّ عيون الحركة رصدت الفخ المنصوب بين السطور وعملت على دراسة البنود بدقة ليأتي ردها بناء على استراتيجية نعم، ولكن الإصرار على تعديلات جوهرية لا بد من أخذها بعين الاعتبار في الصياغة النهائية للاتفاق قبل أي إعلان موافقة. وعليه نشهد سباقًا محمومًا من المشاورات والمبادرات التي تصر فيها حماس على حفظ الحقّ الفلسطيني ورفض صكوك الاستسلام المجاني بعد نحو عامين من الإبادة ودوامة الإجرام المستمرة. 


المراوحة الواسعة من الاتصالات الدبلوماسية والسياسية حطّت رحالها في لبنان كذلك تحت عنوان نزع سلاح حزب الله وإفقاده عناصر قوته واستمراريته رغم عدم تطبيق إسرائيل حتى الساعة أي من بنود القرار 1701 واستمرار الخروقات اليومية من توغلات واغتيالات واستباحة للأجواء اللبنانية.

توماس باراك، السفير الأمريكي في تركيا ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا ولبنان، طرح ورقة شروط تشمل ثلاثة مطالب تتعلق بتسليم سلاح الحزب وترسيم الحدود مع سوريا وإدخال الحكومة إصلاحات مالية واقتصادية.


على هذا النحو يملي ترمب ما يتوجب على بلداننا وحكوماتنا تنفيذه كما لو كان الحاكم بأمره، مع تصفيق حار من جوقةِ العملاءِ المجنّدين إعلاميًّا وسياسيًّا لخدمة المشروع الجديد والترويج لانعكاساته على أنقاض الحقِّ والعدالة المبعثرة. وكما حماس يعمل حزب الله على رد البضاعة المسمومة إلى أصحابها في تل أبيب وواشنطن، فالموقف الذي أبداه الحزب يضع لبنان على أعتاب تحوّل جديد ومستقبل مختلف مع رفض كل ما يسوق له على لسان باراك من مبادرات أتت على شكل مؤامرة حاكها المعنيون بدقة وعناية وحرص علني على إسرائيل وأمنها وحروبها، بل وأحلامها التوسعية وخرائط نتنياهو المرسومة في عقله الاستعماري. فالرجل أي توماس باراك، والمنتمي إلى مدرسة بن غفير وسموتريتش اليمينية المتطرفة،  جاء لتحقيق هدف رئيسي، وهو ضم كُل من سوريا ولبنان إلى منظومة “سلام أبراهام” التطبيعية، وتحويلها إلى شرطة حراسة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بحيث يتم تطويق إسرائيل بسور تطبيعي كامل، وعزل فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، ولهذا يصر بشدة على أن يكون التطبيع أولًا في سوريا قبل رفع الحصار، وأن يتم نزع سلاح المقاومة في لبنان كلِّيًّا قبل أي انسحاب إسرائيلي وقبل أي عودة للأمن إلى لبنان.


ماذا في جعبة حزب الله لمواجهة الحملة المسعورة على وجوده وسلاحه وبعد الترويج لهزيمته وانهياره منذ اغتيال أمينه العام حسن نصر الله؟ وكيف يعمل على تنسيق الموقف مع الدولة اللبنانية ومواجهة ضغوط الداخل قبل الخارج؟ وكيف سيواجه الابتزاز الأمريكي وحملة الإملاءات التي تُفرَض عليه في ظل صمت مطبق على الخروقات الإسرائيلية اليومية لأرض لبنان وسمائه جنوبًا وبقاعًا وحتى في بيروت.

منذ تسلّمه منصب الأمين العام للحزب، أطلق نعيم قاسم خطابات اتّسمت بالمرونة والهدوء واللغة المعتدلة بما يتلاءم حينها مع ظروف المقاومة التي أعقبت الحرب الشرسة على لبنان وظروف الحزب الداخلية والتنظيمية بعد سقوط النظام في سوريا وانتخاب رئيس جديد للبنان مُكلَف بعلاج قضية الوجود العسكري للحزب على الأراضي اللبنانية. لكن للمرحلة الراهنة لغة أخرى برزت مع الخطاب الأخير لنعيم قاسم أسّست لقادم جديد تحت عنوان العودة القوية للمقاومة بعد إعادة ترتيب بيتها الداخلي وفشل الدولة في توفير الحماية الأمنية لأهل الجنوب والتصدي للخروقات الإسرائيلية رغم الالتزام الكامل للحزب ببنود اتفاق وقف إطلاق النار. وأكد الرجل مؤخرًا على خط أحمر ولاءاتٍ قاطعة وحاسمة، تحت عنوان لا استسلام ولا تسليم للسلاح بالمجان وقبل انسحاب العدو من النقاط التي احتلها وقبل ضمانات قاطعة بعدم التعرض للسيادة اللبنانية. ولذلك لا يستبعد أحد في لبنان تصعيدًا عسكريًّا جديدًا كما لا يستبعد أحد عودة قوية للمقاومة بزخم قد يقلب الطاولة على الجميع بعدما طفح الكيل وانتهت مرحلة الصبر وإعطاء المهل المتكررة منذ وقف الحرب.


مخاضٌ عسير وغليان في غزة ولبنان على وقع استعمار جديد ومبادرات ترمبية مفخخة تفرض بالقوة جملة من التنازلات التي تصطدم حتى اللحظة بأبواب الرفض مهما غَلَتِ التضحيات، ولسان حال كثيرين لا خيار سوى التصدي والمواجهة، وتفاءلوا بالمقاومة وصواريخها خيرا!

شارك

مقالات ذات صلة