نصرٌ أو استشهاد، كلمتان مرتبطتان بلثامٍ أحمر يصدح بالعزة رغم الخذلان، على لسان شيخٍ أعلنها فكان آخر ما تلفظ به مواجهًا الاستكبار العالمي بعد أن عرضت عليه المناصب والمكاسب في شبه دولة يحكمها مستعمر أراد تطويبها لشذاذ الآفاق. أدرك الشيخُ الخمسيني عزالدين، أنَّه في موقفٍ وقفه الحسين قبله، وهو أيضًا في الخمسين من عمره، محاصرًا ومحاطًا بجيش مدجج ظالم يريد قتله وعائلته، أو إجباره على الإنصياع لإذلال الجائرين فيكسب الدنيا، فوقف شامخا كشموخ الحسين، وقال : “ليس المهم أن ننتصر، المهم قبل كل شيء أن نعطي من أنفسنا درسا للأمة وللأجيال القادمة”، فكان كذلك.
نصرٌ أو استشهاد، ليست مجرد خاتمة لخطابات العز والكرامة، بل هو منهجٌ سنَّه الإمام الحسين، إمام الثائرين، حين خرج على الظلم ومضى رغم خذلانٍ مِن مَن غرَّر به، رافضًا أن يُسجَّل أن سبط رسول الله تراجع عن موقف حقٍّ أو رَكَن لدنيا، وأحياهُ بعد قرونٍ شيخ المجاهدين عزالدين محاصرًا من مئتين من جيش المستعمر ومئتين من خونة الأعراب، وانتهجته ثلة اختارت أن يصيبها كلام رسول الله ﷺ حين قال : “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خذلهم…”
حين ثار الحسينُ لم يؤثر العبادات الآمنة على المجازفة بحياته في سبيل الحق وحفظ الدين، كما يوهمنا اليوم أشباه العلماء بل أشباه الرجال أنه الأولى، وحين أسس الشيخ عزالدين عصبته لم يكتفِ بالإفتاء ولم تغره مناصبه، وحين وقفت غزَّة بصغر حجمها ثأرًا للمقدسات لم تختر الرفاهية على وعد الله بإحدى الحسنَيَيْن، فاختاروا جميعًا مصارع الكرام على طاعة اللئام.
ومن هنا نأتي للسؤال الأبرز، من هو المنتصر؟ القاتل أم المقتول؟ الملعون في التاريخ أم المحمود إلى الأبد؟ من كسب الدنيا بضع سنين أم من خُلِّد ذكره ما دام في الأرض قلبٌ ينبض؟ شرذمة من القتلة أم آل بيتٍ أطهار تسيَّدوا شباب أهل الجنة؟ بضع خونة حاصروا الشيخ عزالدين أم الشيخ الذي تسمَّت باسمه أعظم ثلة تحطم أعتى جيوش الظلام؟
وفي لحظة تدبّرٍ ندرك أن الفرق بين النصر في المفهوم الإلهي والمفهوم الشيطاني كالفرق بين الثرى والثريا.
فقول الله تعالى يعلِّمنا أن الثبات لا يأتي إلا مع النصر بغض النظر عن المكاسب اللحظية الدنيوية التي باتت معيارًا للمرجفين والخاسرين. يقول الله تعالى في محكم التنزيل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، قرن الله تعالى نصره الموعود بثباتٍ موعود، ثبات كثبات الحسين عندما قال هيهات منا الذلة، وثبات عزالدين عندما قال نصرٌ أو استشهاد، وثبات رجال غزَّة حين يصعد أشاوسهم على ظهر مدرعات بملايين الدولارات ليهتكوها ويثخنوا بمن فيها مكبرين مهللين متوعدين للناجين منها بالكرة الأخرى.
فما أشبه الحسين بعز الدين، وما أشبه صحبَ الحسين بجندِ عزالدين، وما أشبه كربلاء بأحراش يعبد، وما أشبههما بغزَّة المحاصرة الجريحة، وهي ترفضُ أن يكتب في التاريخ أنَّ من انتهج نهج الحسين ونهج عزالدين، رغم تخاذل المتخاذلين وتآمر المتآمرين، سلّمت أو استسلمت، بل إنه لجهاد نصرٌ أو استشهاد.