سياسة

قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.. مفتاح مشروط

يوليو 2, 2025

قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.. مفتاح مشروط

يُشكل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار إنهاء البعد القانوني للعقوبات على سوريا، فرصة تاريخية لسوريا، وذلك على عدّة أصعدة، أبرزها انفتاح سوريا الحرّ لأول مرّة منذ أكثر من 45 عاماً على العالم الغربي من الناحية الاقتصادية والتعاملات السياسية، والبدء بخطوات التعافي والازدهار بعد سنوات من الدمار، إلا أن هذا القرار نفسه يحمل في طيّاته شروطاً ينتظر ساكن البيت الأبيض تحقيقها من قبل الدولة السورية، هذا الساكن الذي يُبقي أعين العالم تشاهد تطورات وتحركات الدولة السورية بإيجابية حذرة، رغم دفعة الأمل السياسية والاقتصادية التي قدّمها عندما جرّ قلمه على ورقة القرار التنفيذي الخاص برفع الإطار القانوني عن العقوبات المفروضة على سوريا.

 

 

ولا يخفى على الكثير أن المطالب الأمريكية قُدمت في أكثر من مناسبة لوزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، على أنها مطالب تؤسس لبناء مرحلة جديدة من الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا من جهة، وبين الغرب وسوريا من جهة أخرى. ما يرجح أن الرئيس ترامب قد حصل على تطمينات أن الدولة السورية تعمل على تطمين واشنطن والغرب أن الدولة السورية الجديدة لن تكون مصدر إزعاج للمحيط والعالم، وأن تاريخ الأشخاص الذين يقودون دفّة البلاد لن يكون انعكاساً لسياستهم في رسم معالم مستقبلها.

 

 

ماذا يعني توقيع ترامب؟

 

القرار الذي وقّعه الرئيس الأمريكي يُنهي العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، لكنّه يحتفظ بالعقوبات المفروضة على الأشخاص، مثل بشار الأسد وشركائه، وكلاء إيران في سوريا، وتنظيم داعش والمتعاونين معه، إضافة إلى أن القرار يفسح المجال أمام تخفيف ضوابط التصدير على سلع مُعينة، كما يُلغي القيود المفروضة على بعض المساعدات الأجنبية المُقدمة إلى سوريا.

 

 

ويُفوض القرار مراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام التي كان يتزعمها الرئيس السوري أحمد الشرع، إضافة إلى مراجعة تصنيف الشرع نفسه في قوائم الإرهاب، كخطوة لرفعهما عن القائمة. القرار أيضاً يُفسح المجال أمام مراجعة التصنيف الذي وُضعت فيه سوريا “كراعية للإرهاب”، والبحث عن سبل تخفيف العقوبات في الأمم المتحدة لدعم الاستقرار في سوريا.

 

 

في الوقت نفسه، فإن عقوبات أخرى لا يُلغيها القرار بشكل فوري، والتي أبرزها قانون قيصر الذي تم تمريره عبر الكونغرس، ما يعني أن عملية إيقافه أو إلغائه تحتاج إلى مسيرة شبيهة بتلك التي سلكها القانون عند إقراره. الإعفاء الذي قدّم بهذا السياق خلال الشهر الماضي هو قيام الرئيس الأمريكي بإعلان إعفاء عن القانون لمدّة 6 أشهر، وهو إعفاء لا يمنح الكثير من الثقة للعالم الاقتصادي للبدء بالاستثمار الفعلي في سوريا.

 

 

مما لا شك فيه أن القرار الذي مررّه ترامب يمكن البناء عليه بشكل حقيقي من الناحية العملية، ويُعطي عالم الاستثمار دفعة من الشجاعة للبدء برسم معالم التحرك المالي نحو سوريا، كما يمنح الدولة السورية فرصة الاستفادة من الأموال المُجمّدة والمساعدات التي وعدت بها دول عربية وغربية، والتي كانت شبه متوقفة نتيجة العقوبات المفروضة على سوريا. رجال الأعمال السوريين في الخارج أيضاً كانوا بانتظار القرار للبدء بمساعدة بلادهم من ناحية الاستثمار الذي يوفر فرص عمل من جهة، ويضخّ المال في البلاد من جهة أخرى.

 

 

إذاً، فُتح باب التعافي الاقتصادي أمام سوريا، ودخوله بات وشيكاً، بانتظار بعض القرارات الجديدة التي تدعم الورقة التي جرّ الرئيس الأمريكي قلمه فوقها، إلا أن هذا الباب مدخله مشروط، وتحقيق الشروط يضع الدولة السورية أمام مهام جدّية ومُعقّدة، من الناحية السياسية والأمنية، سيّما أن قرار الرئيس الأمريكي كلّف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بتقييم تعليق العقوبات (كليّاً أو جزئياً) بموجب قانون قيصر. ما يعني أن ارتباط العقوبات بالسياسة والتغيرات المنتظرة من قبل الحكومة السورية ما زال وثيقاَ، على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

 

 

تحرّك أمريكي مشروط.. والدولة تبذل جهودها

 

الحكومة الأمريكية لا تتقدم دون وعود أو مصالح مشتركة، وهذا يمكن قراءته في تصريحات البيت الأبيض عقب توقيع ترامب القرار، إذ جاء أن الرئيس ترامب “يريد أن تنجح سوريا”، إلا أن النجاح الذي يريده ترامب “ليس على حساب مصالح الولايات المتحدة”، وأوضح البيت الأبيض أنه “بينما تسعى هذه الإدارة إلى إعادة الانخراط بشكل بنّاء، ستواصل الحماية من جميع التهديدات ومراقبة التقدم المحرز في الأولويات الرئيسية”. الأولويات الرئيسية التي ذكرها البيت الأبيض هي “اتخاذ خطوات ملموسة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتصدي للإرهابيين الأجانب، وترحيل الإرهابيين الفلسطينيين وحظر الجماعات الإرهابية الفلسطينية، ومساعدة الولايات المتحدة على منع عودة ظهور داعش، وتولي مسؤولية مراكز احتجاز داعش في شمال شرق سوريا.”

 

 

الشروط نفسها التي سُلمت لوزير الخارجية السورية أسعد الشيباني قبل أشهر، والتي من المفترض أن الإدارة السورية الجديدة قد أعطت الجانب الأمريكي ردّاً عليها، حيثُ بني على الرد قبول واشنطن بضمّ بعض المقاتلين الأجانب الذين كانوا في صفوف هيئة تحرير الشام إلى المؤسسة العسكرية الجديدة للدولة السورية على أن لا يتقلّدوا مناصب قيادية، وسط ضمانات قدّمتها الدولة السورية أنهم لن يكونوا سبباً في أي نشاط معادٍ للمصالح الأمريكية أو الإقليمية، وأن نشاطهم العابر للحدود سيصبح من الماضي.

 

 

من الإشكاليات اليوم هي طبيعة التفاهم مع الجانب الإسرائيلي، فالأخير توغّل في أراضٍ سورية في الجنوب وعلى الحدود، وشنّ مئات الغارات الجوية ضدّ الأصول العسكرية السورية منذ سقوط النظام، بحجة الدفاع عن الأمن القومي. الدولة السورية لم تُخف وجود مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، لكن طبيعة المفاوضات لم يتم الحديث عنها، وليس من المتوقع أن تكون سهلة لعدّة اعتبارات أبرزها المزاج العام السوري، وثانيها مصير المناطق التي دخلتها إسرائيل بعد سقوط النظام، إضافة إلى طبيعة التفاهم المتوقع حيال الملف القديم المتجدد، الجولان.

 

 

ولا يغيب عن الذهن ملفات كثيرة ما زالت عالقة في سياقات التفاهمات السورية الأمريكية، هي مصير التفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فالأخيرة تطالب بنوع من التفاهم أقرب إلى الفدرالية/اللا مركزية، الأمر الذي ترفضه دمشق لعدّة اعتبارات، ومن الواضح أن عدم الوصول إلى صيغة تفاهم مع قسد سيؤخر كثيراً من الملفات، أبرزها طبيعة التعاون السوري مع التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، إضافة إلى ملفات كملف سجون قسد التي تحتوي آلاف من مقاتلي داعش بما فيهم عناصر من جنسيات عربية وأجنبية، والمخيمات التي تديرها قسد وتحتوي أيضاً عائلات عراقية وأجنبية.

 

 

إذن، توقيع ترامب كان بمثابة المفتاح لدخول سوريا نادي المظلة العربية والانفتاح على الغرب، والخروج من المعسكر الشرقي التقليدي الذي بُنيت عليه عشرات السنوات من التحالفات، هذا الباب يتطلب جهوداً كبيرة من الدولة السورية الجديدة التي ينظر إليها العالم بإيجابية، هذه الإيجابية التي يمكن البناء عليها لتأسيس سوريا الجديدة، غير المثقلة بعبء الماضي الاقتصادي والقوانين الصارمة التي تحدّ من حرية ازدهار البلد الذي أنهكته سنوات من الحرب ضد طاغية العصر، بشار الأسد، ورجاله.

شارك