آراء
في مقال الأسبوع الماضي لم يكن صعبًا توقع التدخل الأمريكي المباشر في الهجوم الصهيوني على إيران حيث كتبت: “الواقع اليوم يؤكد أن الكيان المحتل يعرف كيف يبدأ الحروب لكنه لا يعرف كيف ينهيها، وأنه في حاجة دائمة إلى أمريكا لتنقذه من ورطته ليس فقط بالدعم العسكري المباشر الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، ولكن أيضًا بطرح صيغ لإنهاء الحرب سواء بذاته أو عبر حلفائه، بعد منحهم الضوء الأخضر ومحددات التسوية المطلوبة”.
كما لم يحتاج الأمر لتحوط كبير قبل توقع السيناريو المستقبلي للمواجهة العسكرية إذ أكدت: “سيتوقف القتال في النهاية وفق تسوية سياسية تؤخر الصعود والتسلح الإيراني في الداخل والدور المتصاعد والمؤثر في الإقليم، لكن لا تنهيهما، وفي المقابل توفر تلك التسوية المخرج للكيان من مستنقع الحرب واستباحة جبهته الداخلية، دون أن يتعرض لهزيمة واضحة أو يتعرض لعقاب مفترض”.
مباشرة بعد توقف المعركة بين الكيان المحتل وإيران بادر كل طرف بإعلان انتصاره وبهزيمة الآخر، بينما التوصيف الدقيق يمكن اعتباره نصف نصر ونصف هزيمة لكلا الطرفين، وذلك في انتظار جولة مسلحة أخرى يمكن أن تكون قريبة إذا لم تسفر جولات المفاوضات المتوقع أن تبدأ عن قريب في الوصول إلى تسوية تطيل المدى الزمني لانطلاق المعركة القادمة، هذا ما لم تتغير القواعد الرئيسة للمعادلة بين الطرفين وفي المنطقة بشكل جذري ودرامي أيضًا.
في الوقت نفسه تبادلت أمريكا وإيران المبارزات الكلامية بشأن نتائج ما جرى، والوعد والوعيد فيما هو قادم. إيران على لسان مرشدها الأعلى علي خامنئي الذي أعلن انتصار بلاده وقال إن الولايات المتحدة لم تحقق أي إنجاز من هذه الحرب التي دخلتها “لأنها شعرت أنها إذا لم تفعل ذلك فستدمَر إسرائيل بالكامل”، وأضاف أن ترامب بالغ في تأثير الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، وأنه كان بحاجة إلى القيام “باستعراض”، وهدد خامنئي بضرب القواعد الأمريكية مرة أخرى في حال تعرض بلاده إلى هجوم، مؤكدًا أن إيران لن تستسلم أبدًا لأمريكا، واعتبر أن “الكيان الصهيوني قد إنهار وسُحق تقريبًا تحت ضربات الجمهورية الإسلامية”.
من ناحيتها قررت أمريكا إيقاف اجراءات كان ترامب قد أعلنها بنية البدء في تخفيف العقوبات على طهران وذلك بعد كلمة المرشد الأعلى المصورة، كما أضاف بأنه سيفكر فى قصف إيران مرة أخرى إذا عادت لتخصيب اليورانيوم، وأكد أنه لم يتم إخلاء المواقع قبل قصفها، وأنه تم تدمير البرنامج النووي الإيراني تمامًا، على غير ما صرح به وزير خارجية إيران الذي اعتبر أن أضرارًا جسيمة لحقت بالمواقع النووية، وأن بلاده متمسكة بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها للأغراض السلمية، كما أظهرت صور أخيرة للأقمار الصناعية بدء نشاط محدود في منشأة فوردو، كما تم إزالة الركام من مداخل أنفاق منشأة أصفهان، وقد أفادت تقارير أمريكية أن هذه الأضرار قد تصعب على إيران الوصول إلى أي يورانيوم مخصب متبقٍ تحت الأرض، بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان لها إن المداخل المؤدية إلى أنفاق تستخدم لتخزين جزء من مخزون اليورانيوم في مجمع أصفهان مترامي الأطراف تضررت في الغارات العسكرية الأمريكية.
توقف العدوان الصهيوني على الجبهة الإيرانية، ولو على هذه المشهد محل الاختلاف في تقييم نتائجه الحالية والجدل بشأن آثاره المستقبلية، قد رفع أمنيات وسقف طموحات قادة الكيان المحتل من حربهم الوحشية على قطاع غزة، ولكن سرعان ما صدمتهم المقاومة الأسطورية بهجمات متعددة ومتنوعة وشديدة التعقيد من حيث التكتيكات المتبعة فيها، ما أسقط المزيد من القتلى في جيش الاحتلال وألحق الجديد من الإهانة والخزي به، وهو الأمر الذي رد عليه المحتل كالمعتاد بالإمعان في القتل والتجويع ومنع العلاج عن الشعب الفلسطيني العظيم، والاستمرار في تدمير ما تبقى من البنية التحتية في قطاع غزة المحاصر والمنكوب، والصامد أيضًا بما يفوق حدود الخيال والإعجاز.
ورغم كل بطولات الميدان من الشعب والمقاومة، يزداد موقف مفاوضوهم صعوبة مع بقاء ضغط عدوهم وحلفائه، واستمرار خذلان وتواطؤ، أشقائهم والعالم، وذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي قرب انتهاء الحرب على قطاع غزة وتوقعه أن يتم ذلك خلال أسبوع، وعودة الحديث المتزايد عن خطة ترامب التي لا تكتفي بالسعي فقط لتصفية القضية الفلسطينية، وإنما كذلك لتنصيب الكيان المحتل مسيطرًا منفردًا على مصير المنطقة، بعد إتمام عملية إدخال باقي دولها إلى حظيرة اتفاقيات السلام الإبراهيمية كما يخطط ترامب/نتنياهو. ومن المتوقع زيارة الأخير لمكتب الأول خلال أيام للاتفاق على خطتهما للمرحلة التالية لإنهاء الحرب على غزة، حيث صرح مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابلة تلفزيونية منذ عدة أيام إن إدارة بلاده تعمل على توسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية ليستكمل ترامب ما بدأه في ولايته الأولى، وأضاف: “نعتقد أننا سنصدر إعلانات مهمة جدًا بشأن الدول التي ستنضم حاليًا إلى اتفاقيات إبراهيم للسلام، ونأمل في تطبيع العلاقات مع مجموعة من الدول التي ربما لم يكن أحد ليتخيل انضمامها”.
والسؤال الآن معلق في رقاب الحكام العرب: في ظل الملحمة الأسطورية التي يقدمها الشعب الفلسطيني المذهل ومقاومته الملهمة، هل ترتفعون إلى مستوى المسئولية لإيقاف التمادي في الهوان أمام هذه اللحظة التاريخية الفارقة والتي سترسم ملامح المنطقة وتحدد مستقبلها لعشرات وربما مئات السنين؟