قبل أعوام كانت سوريا قلب العروبة موطناً للحضارات والتاريخ، لكنها اليوم تحولت إلى ساحة خرابٍ تروي قصص الألم والشتات. 15 مليون سوري، أرواحٌ اقتُلعت من جذورها، كما تقتلع الريح الأشجار، مُشتتون وتائهون في أصقاع الأرض، يحملون في قلوبهم وطناً لم يعد سوى ذكرى.
هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل أمهات فقدن أبناءهن، وأطفال حُرموا من الضحك، وشيوخ كانوا يحلمون أن يرقدوا في تراب بلادهم. لكنهم اليوم مشردون، تحت سماءٍ غريبة، على أرضٍ لا تعرف أسماءهم.
النظام الساقط، بجبروته وطغيانه، لم يكتفِ بقمع الحرية وسفك الدماء، بل دمر كل ما يعني الحياة لمعارضيه، منازلهم التي كانت ملاذاً للدفء والأمان، تحولت إلى أنقاضٍ تحكي عن ليالٍ من القصف والرعب، قراهم التي كانت تعج بالحياة والأمل، أصبحت مقابر صامتة للذكريات مدارسهم حيث كان الأطفال يحلمون بمستقبلٍ مشرق، لم تعد سوى جدرانٍ مهدمة تنعي العلم والمعرفة، مستشفياتهم التي كانت ترعى الجرحى وتعيد الحياة، أصبحت هدفاً لصواريخ الموت، حتى مساجدهم وكنائسهم، ملاذ الروح والإيمان، لم تسلم من النار والدمار.
15 مليون سوري، يحملون في قلوبهم جرحاً لا يندمل، فهم لن يعودوا في الحاضر القريب، لا لأنهم لا يشتاقون إلى تراب وطنهم، ولا لأن الوطن نفسه قد سُرق منهم. بل لأنهم إن عادوا، فلن يجدوا سوى الأرض فراشاً بارداً، والسماء غطاءً لا يحمي من قسوة الشتات. أين هم من أيام الدفء في البيوت المتواضعة؟ أين هم من ضحكات الأطفال في الحارات؟ أين هم من صوت الأذان يعانق أجراس الكنائس في لحنٍ يوحّد القلوب؟
هؤلاء المهجرون ليسوا مجرد ضحايا حرب، بل هم شهادة حية على ظلمٍ طال أمة بأكملها. كل واحدٍ منهم يحمل قصة، كل دمعةٍ تسقط من عيونهم تحكي عن حلمٍ مكسور، عن عائلةٍ ممزقة، عن وطنٍ لم يعد ينتظرهم. في مخيمات اللجوء، في شوارع الغربة، تحت خيامٍ بالية أو في مدنٍ لا تعرف لغتهم، يعيشون يومياً مع ألم الفقدان. يتساءلون: هل سيعود يوماً ذلك الوطن الذي كان؟ هل ستُبنى البيوت من جديد؟ هل ستُضاء الشوارع بالأمل مرة أخرى؟
لكن الجواب يتلاشى مع الريح، فالنظام الذي دمر سوريا لم يترك حجراً على حجر، ولا أملاً في قلب 15 مليون سوري، مشتتين في أرجاء العالم، يحملون وطناً في صدورهم، لكنه وطنٌ لن يروه بعيونهم مجدداً. إنهم اليوم بلا مأوى، بلا هوية، بلا أمل، والعالم، الذي يشاهد مأساتهم، يكتفي بالصمت، كأن هذه الأرواح لا تستحق العدالة، ولا تستحق الحياة.
سوريا، يا وطن الجرح والصمود، أين أبناؤك اليوم؟ إنهم تحت السماء، يبحثون عن نجمةٍ ترشدهم إلى طريق العودة. لكن الطريق قد ضاع، والوطن قد غاب. وتبقى دموعهم شاهدة على زمنٍ كان فيه الوطن ملاذاً، قبل أن يصبح حلماً بعيد المنال.