آراء

هل الديمقراطية خدعة كبرى؟ وهل تصلح الديمقراطية لأمة الصحراء؟

يونيو 29, 2025

هل الديمقراطية خدعة كبرى؟ وهل تصلح الديمقراطية لأمة الصحراء؟

تأملتُ حال أمتنا العربية كثيراَ ، وهي تتقلب بين استبداد الداخل المؤلم  وضغوط الخارج وتبعيتها له ، ثم وجدتني أسأل هذا السؤال : هل تصلح الديمقراطية الغربية، بكل تناقضاتها، لتكون سبيلنا نحو النهضة العربية ؟ أم أن تقليدها الأعمى لا يورث إلا مزيدًا من الخيبة والتبعية؟

نحن لسنا بحاجة إلى من يُعرّفنا بالديمقراطية، فقد عرفنا في تراثنا معنى الشورى، وتاريخنا السياسي الاسلامي  – وإن تقلب كثيراَ  – لم يكن يومًا خاليًا من مفاهيم العدل والمساءلة السياسية  ،  لكننا بحاجة إلى مساءلة المفهوم ذاته: هل الديمقراطية كما تُصدَّر لنا، صالحة لواقعنا العربي ؟ وهل ما يُقدَّم لنا على أنه طوق نجاة، ليس في حقيقته طوق تبعية جديدة؟

يا أحبابي .. لقد حذر أفلاطون نفسه من الديمقراطية حين تُمنح فيها السلطة لمن لا يستحقها، وقال في الجمهورية:

“حين تتساوى آراء الجاهل بالحكيم، فانتظر الكارثة.” وما كارثة أشد من تساوي العقول !!
فهل ديمقراطية الشعارات والانفعالات العاطفية المخترقة تصلح لتشكيل مستقبل أمة تحمل رسالة حضارية كبرى؟

وحين نسأل عن جوهر الديمقراطية الغربية، نكتشف هشاشتها من داخلها، كما نظر أحد أبرز من درس الديمقراطية الأميركية، قائلاً:

“الديمقراطية قد تُنتج طغيان الأغلبية، حيث يُقمع الصوت المختلف باسم الإرادة العامة الجمعية”.

و نعوم تشومسكي -السياسي والمفكر المعروف-  فقد وصفها أي الديمقراطية بمرارة قائلاً:

“الديمقراطية الليبرالية الحديثة تُدار عبر المال، والإعلام، والخداع.” و لي محاضرة في قناتي في اليوتيوب تكلمت بإسهاب فيها عن مصطلح ” الديماغوجيا ” في عالم السياسة لعلها مفيدة للإطلاع عليها .

ونعود لمقالتنا و نحن في خضم الحديث عن الديمقراطية نجد أن  أداتها الاكبر وهي الانتخابات تُحسم برأس المال، لا برؤى المفكرين. والناخب يُوجَّه لا يختار ،  فما الفرق حينها بين طاغية يُفرض، وطاغية يُنتخب؟

بل إن أحدهم سخر من الأمر قائلاً:

“الديمقراطية اليوم لا تعني حكم الشعب، بل تعني قدرة النظام على أن يبدو وكأنه يُمثّل الشعب، حتى وهو يسحقه.”

فكيف نُسلم نحن العرب، رقابنا لنموذج لم يُجمع أهله على صحته، ولم يخلُ من العطب والمراجعات في جوهره ومنبته وهيكليته؟ وكيف نُطالب به الآن وكأننا فارغون من تجاربنا الخاصة؟

إن مشكلتنا ليست في رفض الديمقراطية، بل في عبادة وتبعية النموذج المستورد، وكأننا أمة بلا ذاكرة ادارية حكمية في الموروث السياسي، ولقد جربنا لحظات نادرة من التمثيل السياسي، مثل انتخاب الخلفاء الراشدين، إلى بعض ممارسات بعض خلفاء بني أمية والعباس أمثال عمر والطائع بأمر الله، لكنها لم تكتمل، لأن البيئة الحاضنة والبنية السياسية غير ناضجة لهذا التحول وحصلت منها مناعة قدرية، والثقافة العربية مشبعة من ثقافة شيخ القبيلة العربية القائمة على السلطة الأبوية.

فنحن لا نرفض الديمقراطية لأننا نخاف الحرية، بل لأننا نؤمن أن الحرية لا تأتي بالتقليد، بل بالفهم والتحويل لطبيعتنا العربية .

فنحن نريد ديمقراطية نابعة منّا، تفهم روح هذه الأمة، وتجمع بين الشورى والمساءلة، بين الأصالة والمعاصرة لثقافة الصحراء ، دون أن تُجردنا من هويتنا، أو تُلبسنا قناعًا لا يشبهنا.

فعلاً .. نريد نظامًا سياسيًا يوزن فيه العقل، لا الصوت العالي، وتُقاس فيه القيم، لا الصناديق، ويُحتَرَم فيه المختلف، الذي لا يُقصى.

فإن كانت الديمقراطية الغربية قد وصلت إلى مأزق باعتراف حكمائها، فحريٌ بنا ألا نقلدها كما هي، بل نستلهم منها، ونصوغ منها ما يليق بأمة لا تزال تمتلك رسالة للعالم أجمع، لو أفاقت من غفلتها لكان موقفنا مختلفاً.

 

شارك

مقالات ذات صلة