فيلم أرجنتيني فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.. The Secret In Their Eyes!
“The Secret In Their Eyes” أو “السر في عيونهم”، الذي أُنتِج في عام 2009، هو فيلم أرجنتيني رائع، عن نظراتٍ لم تُفسَّر، ومشاعر لم تُعلَن، وجرائم لم تُغفر، وعن حب لم يكتمل، وعدالة لم تتحقق، وأسرار لم تُكشَف إلا عبر العيون.
الفيلم من إخراج “خوان خوسيه كامبانيلا”، وقد قام أيضًا بكتابة النص السينمائي باقتباسه من رواية تحمل الاسم نفسه لأستاذ التاريخ والكاتب الارجنتيني “إدواردو ساتشيري”، التي أصدرها في عام 2005.
في إطار من الدراما والغموض والإثارة، يتتبّع الفيلم قصة المحقق الجنائي المتقاعد “بنخامين إسبوزيتو” الذي يُعيد فتح ملف قضية اغتصاب وقتل غامضة وقعت قبل 25 عامًا، فيلتقي بالقاضية “آيرين مينينديز هاستينغز”، وهذا اللقاء يحمل من الحنين أكثر مما يحتمل، ومن الأسئلة أكثر مما يمكن البوح به.
يطلب “بنخامين” من “آيرين” الإذن ليكتب رواية عن تلك القضية التي شغلت حياتهما المهنية في منتصف السبعينيّات، حيث تم القبض على رجلين، وتمّت إدانتهما بالجريمة، ولكن “بنخامين” لم يكن مقتنعًا بتورّطهما، وحين يجد القاتل الحقيقي يحدث أمرٌ لم يكن في الحسبان.
الفيلم يبدأ من هذا اللقاء، لكنه لا يبقى فيه، إذ ينقّب في الذكريات، ويتنقّل بين الماضي والحاضر بسلاسة، ويكشف طبقات من الأسرار المدفونة، حيث تختلط خيوط الحب والعدالة والندم في رحلة نفسية عميقة، حيث في عام 1974 كانت “آيرين” شابة ذكية تعمل مساعدة قاضٍ، بينما “بنخامين” كان محقّقًا لديها، والآن وبعد 25 عامًا يريد أن يكتب رواية عن تلك القضية للبحث عن حقيقة ضاعت بين الملفات، كما ضاعت مشاعره التي دفنها تجاه “آيرين”.
تتداخل 3 حبكات بذكاء في الفيلم: القضية الغامضة التي يكتنفها الفساد السياسي والاجتماعي، وعلاقة الحب المكتومة بين “بنخامين” و”آيرين”، والرؤية الفلسفية لمعنى العدالة، والثأر، والخلاص.
بنصّه القوي وإخراجه المتقن، استطاع “خوان خوسيه كامبانيلا” أن يصنع فيلمًا يتكئ على لغة العيون أكثر من الحوارات، وعلى التفاصيل الصغيرة أكثر من الأحداث، ومشهد المطاردة الشهير في ملعب كرة القدم لم يكن مجرّد مشهد تقني مبهر، بل لحظة سينمائية خلّابة تُمثل الذروة البصرية لانهيار النظام الأخلاقي والفوضى الكامنة تحت القانون، والموسيقى التصويرية لـ “فيدريكو خوسيد” جعلت الفيلم أجمل ممّا هو عليه.
لقد أبدع الممثلون جميعًا في أداء شخصياتهم، وعلى رأسهم “ريكاردو دارين” بشخصية “بنخامين إسبوزيتو”، و”سوليداد فياميل” بشخصية “آيرين مينينديز هاستينغز”.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم مليونَيّْ دولار فقط، والتي تُعدّ ضئيلة جدًّا لفيلم سينمائي حديث، ولكن ذلك لم يؤثّر على جودته الإنتاجية، فقد كان متكاملًا فنّيًا وتقنيًّا، وحقّق الفيلم نجاحًا مبهرًا بإيرادات تزيد عن 35 مليون دولار في شبّاك التذاكر في الأرجنتين وأمريكا وبقية دول العالم، وقد أبهر النقّاد والجمهور، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وهو يحتل اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.
في النهاية، لا يكشف الفيلم سرّه دفعةً واحدة، بل يتركه يتسرّب شيئًا فشيئًا
في عالم تتداخل فيه العدالة بالندم، ويتشابك فيه الحب بالذنب، ويحمل فيه الشخصيات عبءَ ما عرفوه، وما كتموه، وما لم يجرؤا على مواجهته. السر الذي نبحث عنه ليس في القصة، ولا في الجريمة، ولا في العدالة، ولا في الحب، بل السر في عيونهم.