مدونات

رؤى وذات.. إبداع صافي!

يونيو 26, 2025

رؤى وذات.. إبداع صافي!

للكاتب: أيمن موسى


القراءة للأستاذة صافي ناز كاظم متعة لا يعرفها إلا من ذاقها.. وأكثر من سيتذوق هذه المتعة – في نظري – هم الذين في عقد الأربعينيات من عمرهم اليوم ومن يكبرونهم.

وُلدتُ في الأيام الأخيرة من عقد السبعينيات – عمري قريب من عمر المعاهدة سيئة الذِّكر! – وهذا جعل أكثر قراءاتي في شبابي وحتى الآن عن هذه العشرية تحديدا من عمر مصر لأنها كانت مليئة بالأفراح والأحزان والمتشابهات والمتناقضات، والعجائب والغرائب في الفن والسياسة والاقتصاد، والأهم من ذلك أننا لا زلنا – حتى يومنا هذا – ندفع أثمان باهظة لقرارات اتخذت في هذه الحقبة!

صافي ناز كاظم بالنسبة لي رمز من رموز هذه المرحلة التي عاشتها بروحها وقلمها، وكتبت عنها، وسُجنت فيها، وحاربت فيها ما أسمته في كتابها “معارك من مسافة صفر”! وهي ليست مجرد رمز ولكنها من وجهة نظري نموذجا للكاتب الحر الشجاع والشريف صاحب المباديء، وهذه الصفات قلّ أن تجتمع في كاتب واحد في زمان شعاره “اللي تغلب به إلعب به!”.


كانت تقول كلمتها وتمضي! تمضي وهي تعلم أن هناك ثمن لابد من دفعه! ودفعت الثمن مرات ومرات من حريتها وحرية قلمها… برز من الكُتاب كثير من الرجال، وقليل من الكاتبات مثل صافي ناز كاظم.

أعجبني في كتاب “رؤى وذات” أنه يأخذ من كل بستان زهرة؛ ففيه متعة كتب السير الذاتية التي تجدها في حكاياتها الشخصية والمهنية في العباسية والغورية ودار الهلال وجامعة المستنصرية! وفيه متعة كتب الروايات التي تجدها في القطوف الجميلة من بعض القصص والروايات، والموجودة في بعض فصول الكتاب، مثل حكاية “عيون بهية” التي تمنيت لو عرفت نهايتها لأعرف هل عملت بهية العملية في النهاية أم ساء نظرها حتى فقدت البصر؟!!! وفيه أيضا جدية الكتب العلمية التي تجدها في الفصول المتعلقة بالنقد الأدبي لبعض كُتاب الدواوين الشعرية والمسرحيات والروايات والأعمال الفنية والتشكيلية.


باختصار، الأستاذة صافي ناز كاظم مدرسة خاصة في الكتابة لا أستطيع تصنيفها، لأنها كتابة تجمع بين واقعية السير الذاتية وسحر وجمال الأعمال الأدبية ودقة ومنهجية الكتابة البحثية والعلمية.

 

الكتاب ممتلىء باللمحات والإطلالات السريعة على بعض النجوم التي لمعت في سماء مصر حينا من الزمن، مثل: الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان، والإذاعي الكبير طاهر أبو زيد، والقاضي المفكر طارق البشري، والسياسي المخضرم فتحي رضوان، والشعراء محمد إبراهيم أبو سنة وممدوح الشيخ وعماد أبو صالح، والكاتبة الصحفية سناء البيسي، والصحفي المؤرخ وديع فلسطين، والأديب الفذ محمد فريد أبو حديد، والروائي محمد عبدالحليم عبدالله، والكاتبة نبوية موسى، وغيرهم وغيرهم…


الكتاب مليء بالجُمل التي استوقفتني طرافتها وعمقها ودلالتها، مثل الجُمل التالية:

  • “يا بنات فيه تفتيش اللي قالبة نظام الحكم تعدله فورا”!
  • “معظم الفنانين أناس فشلوا في تحقيق الحياة فهربوا إلى الإبداع، لذلك فإن الإنسان الكامل السعيد لا يمكنه الخلق الفني لأنه مُشبع”.
  • “الفنان ميت يتسلى بالخلق”!
  • “أدمغتهم السميكة تتحرك كالدوم الفارغ”!
  • “صفحات مكدسة بالكلام غير المخفوق جيدا”!
  • “من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من ثانيا!” (رأيت رام الله – مريد البرغوثي)
  • “لقد تعلمت ألا أفرغ بئر كتابتي، دائما أتوقف وهناك شيء في عمق البئر أتركها لتمتليء خلال الليل من الينابيع التي تغذيها”. (أرنست هيمنجواي)
  • “هكذا هي ستنا مصر المحروسة دائما.. في أحشائها الدًّر كامنٌ، ولابد لنا أن نصبر، صبر الصيادين، ونخترق الزَّبَد لنصل إلى ما ينفع الناس الماكث في الأرض. سبحان الله” (صافي ناز كاظم)
  • “شعاري أغنية: قلمي ف ايدي وبأعرف أكتب، عقلي ف راسي وبعرف أفكر، قلبي ف صدري وبعرف أحب، ورأيي بقوله مكان ما أدبّ” (صافي ناز كاظم)

وأختم هذه المراجعة القصيرة والقاصرة بإهدائها هذه الكلمات القليلة والمعبرة التي ركَّبتها من إهداء أهدي إليها ورسالة صديق لها:

“إلى صافي ناز كاظم، جزء من سِن أريد أن أسترجعه، وماضٍ أريد أن أشده، إلى حاضر أُنكره! ابقي على ظهر جوادك! لا حرمنا الله من دبدبتك”.

شارك

مقالات ذات صلة