آراء

من يصنع أعدائنا؟ نحن أم هم!

يونيو 22, 2025

من يصنع أعدائنا؟ نحن أم هم!

السياسة كما السينما كما يقولون، لا تكتمل القصة من دون “العدو”، لكن الفرق أن السينما تنتهي عند شارة الختام، بينما في العالم العربي، فالفيلم مستمر، والمشاهد تتكرر، والمعضلات تزداد، والعقول تُعاد برمجتها، والأخطر في هذا الأمر أن أعداءنا وخصومنا في الشرق الأوسط لا نختارهم نحن، بل تُختار لنا أسماؤهم وملامحهم وسياقاتهم، ضمن سيناريو محكم الإخراج، تتقنه أمريكا، وتنفذه عبر أدواتها في المنطقة المستعرة.

فلقد كانت أمريكا، ولا تزال، هي المهندس الأبرز لمعادلات القوة والعداء في منطقتنا العربية، فهي التي أنعشت وغذت الكيان الصهيوني، وفرضته كأمر واقع، ووفّرت له كل سبل الدعم والشرعية، ثم روّجت لرواية جديدة تُعيد تشكيل الوعي العربي، الاحتلال جار لا بد من التعايش معه، والمقاومة عبء يجب التخلص منه، والنقد تهديد للاستقرار.

وحين سقط العراق عام 2003، كان العرب خصوصاَ في الخليج أمام فرصة ذهبية نادرة لإعادة بغداد إلى الصف والحضن العربي، واستعادتها كقوة مركزية تحفظ التوازن الإقليمي، فقد كانت لحظة تاريخية لتكون العراق درعًا للعرب، لا ساحة مستباحة لإيران، لكن واشنطن، التي لم تكن تريد عراقًا قويًا مستقلًا، سمحت بذلك بل سهّلت، تسليم العراق إلى النفوذ الإيراني، وقامت بتفكيك مؤسساته، وحلّ جيشه، وفتحت الأبواب أمام المليشيات، ثم تُرك العرب متفرجين، بل بعضهم ساهم بجهالة في ذلك الإهمال.


فالفراغ الذي خلّفته أمريكا لم يكن بريئًا، بل مقصودًا، وهو ما استغلّته طهران بذكاء وجرأة، فتمدّدت في العراق ولبنان وسوريا واليمن ، و لم يكن ذلك فقط نتيجة قوتها، بل نتيجة غياب مشروع عربي جامع، وإرادة سياسية مستقلة، ورؤية تستند إلى المصالح القومية لا الإملاءات الخارجية.

وفي هذا السياق، صارت واشنطن تعيد إنتاج “عدو قابل للاستهلاك الإعلامي”.. مرة هو “الإرهاب”، ومرة “الإسلام السياسي”، ومرة “الدولة المارقة” ، يتغير المسمى، لكن الهدف لا يتغير.. وهو إشغال العرب بأنفسهم، وتوجيه بوصلتهم بعيدًا عن الاحتلال والهيمنة، وتحولت الإدارات العربية إلى أدوات تنفذ هذا التصنيف، تُخوّن من يقاوم، وتُشيطن من يعارض، وتُجرّم من يطالب بالكرامة.

وفي الداخل، تمّت هندسة الكراهية والعنصرية، فالإعلام يعبئ ما يريده العدو، والمناهج تُملي، والبرامج تُلقّن ما يراد النطق به، والمواطن لا يُسأل، بل يُؤمر، ولا يُناقش، بل يُصنّف فقط، ومن يتجرأ على التفكير، يُتّهم بالخيانة فوراَ، ومن يصرخ في وجه الهيمنة الغربية، يُوصم بالفتنة، ومن يطالب باستقلال القرار، يُقصى باسم مراعاة الواقعية.


وهذه الهزيمة التي نعيشها ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل هزيمة نفسية معرفية وأخلاقية، فالعدو اليوم، ليس فقط من يحتل أرضك، بل من يحتل وعيك، ويُملي عليك قائمة الكراهية، ويطلب منك أن تردّدها دون سؤال.


ولا نجاة لنا من هذا التيه إلا بإعادة تعريفنا للعدو، وفق مصالحنا وكرامتنا وأحلام شعوبنا العربية، وذلك  بأن نُعيد العراق إلى عمقه العربي، وأن نسترجع فلسطين إلى قلب خطابنا، وأن يكون الشام قلعتنا العربية،  وأن نكسر القيد الذي يربط عقولنا بمراكز النفوذ العالمي، فالتحرر لا يبدأ من البندقية، بل من العقل.

شارك

مقالات ذات صلة