سياسة

الموقف السوري من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: بين حسابات التحالف ورؤيته الجديدة

يونيو 22, 2025

الموقف السوري من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: بين حسابات التحالف ورؤيته الجديدة



توالت الأحداث بوتيرة عالية وبدأ الهجوم بعدما قررت إسرائيل ضرب العمق الإيراني واستهداف قادة الصف الأول في إيران والعلماء الأهم في الشأن النووي، وبين دويّ الصواريخ وأزيز المسيّرات، بدا أن الشرق الأوسط يعيش لحظة فارقة، من تلك التي يتوقف عندها التاريخ ليلتقط أنفاسه، هذه المرة  لم تكن الأزمة مجرد عملية عسكرية محدودة، بل بدت كأنها اختبار حقيقي لشكل التحالفات القديمة، ولحدود الدولة الوطنية في خضم صراعات المحاور.

 

 

سوريا بين ساحة الصراع وحسابات الدولة

 

كما هو المعتاد في كل أزمة في المنطقة كانت الأنظار تتجه نحو دمشق، لكن ما حدث هذه المرة لم يكن الأمر عادياً، فلطالما كانت سوريا إما ممراً أو ميداناً في مثل هذه المواقف، حيث إن أرض سوريا كان لها نصيب كبير في تنفيذ حروب الوكالة، واختبارات تجريب الأسلحة من الدول المصنعة لمن يريد الشراء، حتى تمرير التجارب الأيديولوجية والدينية مثل “داعش”.

 

 

أما في هذه المواجهة  فقد بدت سوريا وكأنها تحاول أن تكون شيئاً آخر، كياناً سياسياً له حساباته، لا مجرد رقم في معادلة إقليمية وحرب المصالح،  حيث إن الدور السوري هذه المرة حمل ملامح تغير، وإن لم يكن هذا التغيّر صاخباً، لكنه كان واضحاً لمن يجيد قراءة الإشارات.

 

 

جذور التحالف السوري الإيراني

 

ولفهم ما جرى، لا بد من العودة إلى جذور العلاقة الإيرانية السورية، فمنذ عام 1979، شكّلت طهران ودمشق تحالفاً استثنائياً في المنطقة، تحالفاً عُمد بالدم والشعارات المصالحية المشتركة، لكنه أيضاً حمل نوع من العزلة المشتركة، حيث دعمت سوريا إيران في حربها ضد العراق، واحتضنت حزب الله، وشكّلت لسنوات الجسر الذي تمر عبره صواريخ طهران إلى الجنوب اللبناني. 

 

 

لكن سوريا اليوم ليست سوريا الأمس، فهي دولة خرجت للتو من حرب طويلة أنهكتها، دولة ما زالت تلتقط أنفاسها، فيما تحاول أن تصعد بعملتها وتقوي اقتصادها المتهالك، و تطور من أدائها الخدماتي والإداري، كمحاولة لتلبية مطالب شعبها والحصول على المقبولية والمشروعية منه.

 

 

حسابات دمشق الجديدة: الحياد الحذر

 

فهل كان من الممكن أو المقبول أن تسمح دمشق لنفسها بخوض حرب ليست حربها لا سيما في هذه المرحلة الحساسة؟ على ما يبدو، الجواب كان: لا وهي غير مقبولة أو مبررة في الظروف الحالية.

 


بعد الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وما تبعها من رد إيراني غير مسبوق، كانت التوقعات بأن تتحول سوريا إلى جزء من مسرح الرد، لكن المفاجأة كانت في غياب الرد السوري. لا صواريخ من الجنوب، ولا بيانات حماسية، ولا حتى مناوشات رمزية، بدلاً من ذلك بدا وكأن هناك قراراً صدر بأن تبقى سوريا على الهامش، لا عن ضعف منها، بل عن قرار، حيث بدأت التحركات الأمنية الداخلية لضبط أي جماعة مسلحة قد تتورط في رد عشوائي، وكان هنالك منع واضح لنقل السلاح “دمشق ودرعا” أو إطلاق نار غير منسّق، بل حتى الدفاعات الجوية السورية بدت كأنها تقف في مكانها، تنتظر التعليمات دون حماسة.

 

 

 هل هذا تواطؤ؟ ربما يراه البعض كذلك لكنه في نظر كثيرين، كان تعبيراً عن سيادة مختلفة، سيادة تمارس بالصمت، لا الضجيج، فعلى المستوى السياسي جاء تصريح وزير الخارجية فيصل المقداد هادئاً لكنه ثقيل الدلالة: “لسنا طرفاً في مغامرات إقليمية”. كان التصريح بسيطاً، لكنه في السياسة، يُقرأ بطريقة مختلفة، حيث بدا كأنه إعلان غير مباشر بأن سوريا تحاول رسم مسافة – لا قطعاً – مع طهران، وبحسب تسريبات لاحقة كان هناك بالفعل تنسيق غير مباشر مع الروس، ومع وسطاء عرب كبغداد ومسقط هدفه كبح اندفاع إيران من داخل الأراضي السورية.

 

 

محاولة لاستعادة القرار الوطني

 

كانت دمشق تحاول، ولو على خجل، أن تقول: “لسنا ساحة أحد بعد اليوم”. لكن هل كان هذا الموقف انسحاباً من المحور؟ لا فسوريا لم تقطع مع إيران، ولم تعلن انفكاكها عن محور المقاومة، لكنها بالتأكيد وضعت خطاً صغيراً بين التحالف والمصلحة، بين الشعار والحساب، والمفارقة أن النظام السوري الذي بُني على فكرة التحالفات الصلبة والخطاب الثوري، يبدو اليوم وكأنه يُعيد التفكير، ليس في كل شيء بالطبع، لكن بالحدّ الأدنى.

 

 

الدولة أولاً أم الحليف أولاً؟

 

 ورداً على التساؤل الفلسفي السياسي: هل يمكن لسوريا أن تكون دولة أولاً، ثم حليفاً؟ هل يُمكن أن يكون لها صوت مستقل، ولو ضمن دائرة الأصدقاء؟ هذه المرة، دمشق لم تشارك في الحرب ووقفت على الحافة، تتأمّل النار، لكنها لم تغمس يديها فيها، ربما لا تكون هذه الخطوة بداية مسار جديد، وربما تكون مجرد لحظة مؤقتة لكنها على الأقل، محاولة لأن تُصبح سوريا “دولة”، لا مجرد موقع استراتيجي وممر مفيد على خارطة الآخرين، هذا التفكير البراغماتي جاء متأخراً كثيراً ولكن فُعل أخيراً، ويبقى السؤال، كما في كل شيء في هذه المنطقة: هل يُسمح لها بذلك؟ وهل تمتلك الأدوات اللازمة فعلاً أم أن الرياح ولعبة المصالح والقوى ستعيدها إلى حيث لا تريد؟

شارك