-أسامة محمد
تُعدّ محافظة الحسكة، الواقعة شمال شرقي سوريا، إحدى أغنى المناطق السورية بالموارد الطبيعية، حيث تمتلك ثروات نفطية وقمحية هائلة. ومع ذلك، فإن هذه المحافظة تعيش اليوم تحت وطأة أزمات إنسانية ومعيشية خانقة، تجعل سكانها، الذين يتجاوز عددهم مليون نسمة، في حالة من العزلة والحرمان، وتُهدّد مستقبلهم بالفقر والجهل وانتشار الجريمة.
انقطاع الخدمات الأساسية، ماء وكهرباء واتصالات:
يعاني سكان الحسكة من انقطاع شبه دائم للمياه والكهرباء، وهي خدمات أساسية لا غنى عنها للحياة الكريمة. فقد خرجت محطة مياه علوك عن الخدمة لسنوات طويلة، تفاقمت الأزمة إلى مستويات حرجة، مما جعل تأمين المياه عبئاً يومياً يرهق الأهالي، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والغبار الكثيف في فصل الصيف. كما أن انقطاع الكهرباء أصبح واقعاً يومياً، مما يؤثر على الحياة اليومية والاقتصاد المحلي.
ولعل الأزمة الأكثر إيلاماً هي انقطاع شبكات الاتصالات، حيث أدت سيطرة بعض الجماعات المسلحة إلى قطع الشبكات الرئيسية مثل MTN وسيريتل، مما جعل الحسكة معزولة عن العالم الخارجي لفترات طويلة. هذا العزل القسري لم يقتصر على منع التواصل بين الأهالي، بل أعاق وصول المساعدات الإنسانية وتفاقم من معاناة السكان.
توقف التعليم، الجهل يهدد جيل المستقبل:
في ظل الفلتان الأمني وغياب الاستقرار، توقفت العملية التعليمية في الحسكة بشكل شبه كامل. المدارس مغلقة، والكليات الجامعية متوقفة، والدوائر الحكومية، بما فيها المصارف، في حالة شلل تام.
هذا الواقع يهدد أبناء المحافظة بالجهل، حيث يُحرم جيل بأكمله من التعليم، مما ينذر بتداعيات كارثية على مستقبل المنطقة. غياب التعليم يعني تفاقم الفقر والبطالة، ويفتح الباب أمام استغلال الشباب في أنشطة غير مشروعة، مثل الاتجار بالمخدرات.
ارتفاع أسعار المحروقات والخبز، تناقض صارخ مع الثروات:
رغم أن الحسكة تُعدّ من أغنى المحافظات السورية بالنفط والقمح، إلا أن أسعار المحروقات والخبز تشهد ارتفاعاً غير مسبوق. هذا التناقض الصارخ بين الثروات الطبيعية والفقر المدقع يعكس سوء إدارة الموارد وسيطرة بعض الجماعات على هذه الثروات، مما يحرم الأهالي من الاستفادة منها. فبدلاً من أن تكون هذه الموارد مصدر رخاء، أصبحت عبئاً يُفاقم معاناة السكان.
انتشار المخدرات، خطر يهدد المجتمع:
تُعدّ ظاهرة انتشار المخدرات من أخطر التحديات التي تواجه الحسكة اليوم. فقد أصبحت المحافظة سوقًا مفتوحًا لتجارة المواد المخدرة، مثل الحشيش والكبتاغون، وما يُعرف بـ”الكريستال” أو “الأتش بوز”، وهي مادة إيرانية الصنع تُعد من أخطر أنواع المخدرات. هذا الانتشار يأتي في ظل الفلتان الأمني الذي تشهده المنطقة، حيث تفتقر الحسكة إلى وجود سلطة مركزية قوية قادرة على ضبط الأمن ومحاربة هذه الظاهرة. ومع تزايد الفقر والبطالة، يجد الشباب أنفسهم عرضة للوقوع في براثن الإدمان أو الاتجار بالمخدرات وسيلة للهروب من واقعهم المرير.
الفقر والبطالة: أزمة إنسانية متفاقمة
تشير التقارير إلى أن نسبة الفقر في الحسكة قد ارتفعت بشكل كبير، حيث يعيش معظم السكان تحت خط الفقر المدقع. البطالة أيضًا تُشكل تحديًا كبيرًا، حيث يفتقر الشباب إلى فرص عمل حقيقية، رغم وفرة الموارد الطبيعية. هذا الواقع يُفاقم من الشعور بالإحباط واليأس، ويُساهم في تفاقم الجريمة وانتشار المخدرات.
الفلتان الأمني: جذر المشكلة
يعود الكثير من هذه الأزمات إلى الفلتان الأمني الذي تشهده الحسكة. فغياب الأمن والاستقرار، إلى جانب سيطرة بعض الجماعات المسلحة على المنطقة، أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية. الدوائر الحكومية مغلقة، والخدمات معطلة، والمواطنون يعيشون حالة من الخوف والقلق المستمر.
خاتمة: دعوة لتحرك عاجل
إن أزمة الحسكة ليست مجرد مشكلة محلية، بل هي أزمة إنسانية تتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. هناك حاجة ماسة لاستعادة الأمن، وإعادة تشغيل الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات، وتوفير فرص التعليم والعمل للشباب. كما يجب محاربة تجارة المخدرات ومعالجة جذور الفقر والبطالة. الحسكة، بثرواتها النفطية والزراعية، تستحق أن تكون منطقة مزدهرة، لا أن تُترك لتعاني من الحرمان والفوضى.
إن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة إنسانية أكبر، لا تهدد الحسكة فقط، بل استقرار المنطقة بأكملها. فهل ستتحرك الجهات المعنية قبل فوات الأوان؟