مدونات
للكاتب: ظاهر صالح
في فجر يوم الجمعة الموافق 13 يونيو، شنّ جيش الاحتلال ضربات عسكرية واسعة النطاق على أهداف متعددة داخل الأراضي الإيرانية، شملت مفاعل نطنز النووي، ومنشآت نووية أخرى، ومقرات ومواقع عسكرية، وعشرات المواقع الدفاعية. بالإضافة إلى ذلك، نفذ الجيش عمليات اغتيال استهدفت نحو 20 من القيادات العليا في الجيش والحرس الثوري، وقرابة 6 من العلماء النوويين الإيرانيين.
وقصف الجيش “الإسرائيلي” أيضًا عددًا من المواقع والأهداف الاستراتيجية في إيران، أبرزها مقر الحرس الثوري الإيراني، ووزارة الدفاع، ومفاعل نطنز النووي، ومطار تبريز، ومفاعل آراك، وموقع بارشين النووي، إلى جانب مواقع استراتيجية أخرى.
وردت طهران بإطلاق دفعات صاروخية غير مسبوقة على “إسرائيل”، وصرّح المتحدث باسم الجيش الإيراني بأن الهجمات الأخيرة على تل أبيب “تمثل البداية فقط”، مؤكدًا أن الضربات القادمة ستكون “أشد بعشرين مرة” مما حدث حتى الآن. وبعد ساعات قليلة من هذا التصريح، أكدت الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” سقوط دفعات جديدة من الصواريخ الإيرانية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى “إسرائيليين”، بالإضافة إلى دمار واسع في البنية التحتية، خاصة في محيط تل أبيب وحيفا.
وبينما لا يزال أُفُق التصعيد بين الدولتين غير واضح، تتزايد المخاوف والتحذيرات من انجرار “إسرائيل” إلى حرب استنزاف طويلة بسبب امتلاك إيران لصواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على إحداث دمار كبير في “إسرائيل”، والاقتصاد في استخدامها، مقابل التناقص المحتمل في الذخائر والصواريخ “الإسرائيلية” بسبب الاستخدام المكثف لها.
وفي تقرير أعده المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” “الإسرائيلية” يوآف زيتون، قال إن “إسرائيل” لا تزال تعوّل على قنابل الاختراق الأميركية الثقيلة، من طراز جي بي 28 القادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، مثل منشأة فوردو الواقعة داخل جبل، أو عبر حملة جوية مرهقة من الطائرات “الإسرائيلية”، وهو خيار مكلف ومحفوف بالمخاطر.
وقال زيتون “إن هذه القنابل لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة، واستخدامها سيكون بمثابة المحطة النهائية للعملية العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني.” واستدرك قائلًا: “في حال لم تشارك الولايات المتحدة بالقصف، فإن إسرائيل ستضطر إلى تنفيذ ضربات متكررة، تعتمد على تقشير طبقات الدفاع التي تحيط بالمنشآت النووية الإيرانية، وهي عملية معقدة وطويلة الأمد، وقد تتدحرج إلى حرب استنزاف طويلة، كما يخشى العسكريون في تل أبيب.”
وأكد زيتون في تقريره “أن الإيرانيين عمدوا إلى توزيع منشآتهم النووية على مناطق عدة داخل البلاد، بما في ذلك العاصمة طهران، وهو ما يعقّد مهمة التدمير الكامل للبرنامج النووي.” ويعتبر المحلل “الإسرائيلي” أن الإنجاز العسكري الأبرز حتى الآن هو تفكيك وتحييد الدفاعات الجوية الإيرانية، مما سمح للطيران “الإسرائيلي” بالتحليق في العمق دون اعتراض. كما يؤكد أن هذا التفوق الجوي سيتيح “لإسرائيل” تنفيذ هجمات مستقبلية كما تفعل في بيروت أو دمشق، في إشارة إلى إستراتيجية “المعركة بين الحروب”.
ولكن التقرير يشير أيضًا إلى أن هناك “ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف هدف إيراني مرتبط مباشرة بالبرنامج النووي والبنية الأمنية والعسكرية لا تزال تنتظر الهجوم. وتتنوع هذه الأهداف بين منصات إطلاق الصواريخ، وأنظمة القيادة والسيطرة، ومقرات الحرس الثوري، وغيرها من البنى التحتية.”
ويلفت التقرير إلى أهمية المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، وخاصة المتعلقة بعمق وسماكة التحصينات الطبيعية حول المنشآت النووية. وحسب التقرير، فإن الإيرانيين لا يزالون يمتلكون قدرات صاروخية لم يُستخدم بعضها بعد، رغم الهجمات الإسرائيلية. وقدّر أن إيران أطلقت نحو 300 صاروخ باليستي على “إسرائيل” في الأيام الأولى من الحرب. كما يذكر التقرير أن هناك “نوعين رئيسيين من هذه الصواريخ لم يتم استخدامهما بعد، وهما: الصواريخ الثقيلة من طراز ‘خورمشهر’ التي تحمل رؤوسًا حربية تزن طنًا أو أكثر، وصواريخ كروز فائقة السرعة، والتي يصعب على الرادارات اكتشافها واعتراضها”.
وحول القدرات الدفاعية، يرى معد التقرير أن أنظمة الاعتراض الإسرائيلية بما فيها القبة الحديدية وصواريخ آرو 2 و3 أثبتت نجاعتها، حيث نجحت في التصدي لغالبية الصواريخ الإيرانية، خاصة مع الدعم المحتمل من مدمرات إيجيس الأمريكية التي من المرجح أن تصل إلى المنطقة قريبًا وتحمل أنظمة اعتراض متقدمة.
وفيما يتعلق بالمسيرات الإيرانية، قال التقرير إن إيران تراجعت عن إستراتيجية الأسراب التي استخدمتها في البداية، وتحوّلت إلى سياسة “القطرات”، أي إرسال المسيّرات واحدة تلو الأخرى، لكن الجيش “الإسرائيلي”، بحسب زيتون، نجح في اعتراض معظمها، بما في ذلك عبر مطاردات جوية تنفذها مروحيات قتالية. كما يشير التقرير إلى “التخوف الإسرائيلي” من نفاذ مخزون صواريخ ثاد الأمريكية التي تعمل بالتوازي مع منظومة حيتس (السهم) “الإسرائيلية” في مطاردة الصواريخ الإيرانية. وقال: “إن الأميركيين لا ينتجون صواريخ اعتراضية بمعدلات عالية بما فيه الكفاية، بل بضع عشرات من صواريخ ثاد سنويًا.” كما يؤكد أن الإطلاق الكثيف للصواريخ يعمل على تشتيت المضادات بما يسمح لبعض الصواريخ ببلوغ أهدافها.
ويخلص التقرير إلى أن طهران تمتلك نحو ألف صاروخ باليستي عشية اندلاع الحرب، لكنها باتت تستخدمها باعتدال، على ضوء التآكل السريع في ترسانتها، مقابل فعالية الدفاعات الجوية الإسرائيلية، والدعم الأميركي الحاسم.
في الختام، يرى مراقبون أن المشهد الحالي ينذر بانزلاق خطير نحو مواجهة إقليمية مفتوحة، خاصة في ظل تصريحات لمسؤولين إيرانيين تؤكد أن العملية لن تتوقف إلا بعد “تأديب إسرائيل” وردعها عن تكرار هذا الاعتداء. وبينما يسود “الشارع الإسرائيلي” قلق وارتباك، تتصاعد الأصوات داخل “إسرائيل” المطالبة بإعادة تقييم الحسابات العسكرية والسياسية، بعد أن أثبتت الدفاعات الجوية عجزها عن التصدي للهجمات الصاروخية الإيرانية، وكشفت عن ضعف “تل أبيب” أمام الخصوم الإقليميين.
تؤكد التطورات الأخيرة أن معادلة الردع “الإسرائيلي” الأحادي الجانب آخذة في التلاشي، في حين تسعى طهران إلى فرض معادلة ردع جديدة تقوم على مبدأ: “الرد بالمثل وأشد”، وهو ما يعيد ترتيب أوراق المنطقة من جديد.