آراء

العيد هوية!

يونيو 11, 2025

العيد هوية!

مرَّ العيدُ الرابع على غزة، ولم يحمل لأطفالها كما حمل لأطفال العالم الإسلامي، لم يحمل ألعابًا بل قذائفَ وغارات، ولا عيدياتٍ بل جوعًا وعطشًا، ولا زيارات للأقارب بل حزنًا على فقدهم شهداءَ وأسرى. وبينما يسعى المسلمون، بصفاء نيةٍ، إلى تعظيم هذه الشعيرة الإسلامية، يغفلون عن معناها، والمُرادُ منها، وكيفية تعظيمها.

 

في الإسلام عيدان، عيدُ الفطرِ وعيدُ الأضحى، وفي الأول مكافأةٌ للمسلمين وتتويجٌ لصيامهم شهر رمضان، والثاني يتزامن مع الركن الخامس، حجُّ البيتِ، يضحّي فيه المسلمون وينفقون على الفقراء، ترسيخًا لقصة النبي ابراهيم وابنه النبي اسماعيل، كصورةٍ من صور العبودية المطلقة لله تعالى وإيثارُ طاعته على ما تُحبُّه أنفسنا. ولكن، أهذا كلُّ شيءٍ حقًّا؟ في التراث الإسلامي الكثيرُ من القصص والعبر التي رُسِّخت في القرآن والسنة، فما الغاية إذن من وجود العيد؟

 

كلُّ الأمم لها أعيادها، أيّ أيامٌ ثابتةٌ من كلِّ سنة، والاحتفالُ فيها إعلانُ انتسابٍ لها، باختلاف الطقوس والطرائق، وتجاهلها انسلاخٌ عن الأمَّة وانعزالٌ عنها. ولستُ أتحدثُّ عن الأعياد الدينية وحدها، فلكل عرقٍ وقومية عيدها ويومٌ اجتُمع على تعظيمه، فنرى عيد التحرير وعيد الاستقلال وعيد التأسيس وغيرها… بل وحتى المهنيين أعلنوا أعيادهم كعيد المعلم وعيد العمال ويوم الطبيب ويوم الممرض والقائمة تطول.

 

ومن هنا نصلُ إلى أنَّ العيد هوية، وليسَ يومًا عابرًا للفرح وحسب، وفيه غايةٌ ساميةٌ على المستوى الاجتماعي والسياسي على حدٍّ سواء. فمثلًا، ينتهزُ العمّال عيدهم للمطالبة بحقوقهم، وتوظّف الدول عيد الاستقلال لتعزيز روحِ الانتماء بين أفراد المجتمع، وتسعى المنظمات لاستغلال عيد الطفل في محاربة العنف الأسري وتنظيم الفعاليات في دور الأيتام ومستشفيات الأطفال. ولكن أين عيدا المسلمين من هذه المعادلة؟

 

في الأول من شوال والعاشر من ذي الحجّة، يجتمعُ كلُّ المسلمين في بيوت الله مكبرين مهللين، إعلانًا لانتمائهم إلى هذه الأمة العظيمة، فهل أعطينا هذا الانتماء حقّه؟ الإنتماءُ للأمَّة يعني أنَّ أيَّ مسلمٍ في أيَّ بقعةٍ على وجه الأرض ينتمي إليَّ وأنتمي إليه، لهُ حقُّ النصرة وعليه واجبها، والعيدُ يومٌ نكرِّسُ فيه هذا الإنتماء وما يترتبُّ عليه.

 

وبينما يأتي العيدُ ويمضي في ظلِّ إبادة جماعية تتعرض لها شريحةٌ من هذه الأمَّة التي نعلن انتمائنا لها بافتخار، يكون تعظيمُ الشعائر في السعيِ لوقفِ هذه الإبادة، ‏فلا يأتِيَنَّ العيدُ ويمضي ودماءُ إخواننا تنزف وكأنها ماء. فإن كان الثوب الجديد سنَّة، فكسوة المسلمات ‏واجبٌ على كل ذي شرف ودين يغار على عرضه، وإن كانت العيديات تقليدًا إسلاميًا للعيد‏ فتخصيصها للأطفال اليتامى المجوَّعين أولى وأوجب، وإن كانت الأضاحي سنَّة مؤكدة على المقتدر، ‏فإطعام جوعى المسلمين فرضٌ سيحاسب أفراد الأمة على التقصير فيه، وإلا فقد حوّلنا أعيادنا إلى طقوسٍ شكليةٍ لا غاية منها سوى الاحتفال والتباهي.

 

حين تجتمعُ كلُّ الأعراق في بيتِ اللهِ الحرام، بلباسٍ موحدٍ ومناسك موحدة، فهذا تطبيقٌ سنويٌّ للآية الكريمة : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، جعلها الله عيدًا جامعًا لكل المسلمين، تذكيرًا لهم بقدسية الأخوة في الإسلام وحقِّ المسلم على المسلم أيًا كانت البلد التي أتى منها وأيًا كان عرقه الذي انحدر منه، واكتفاؤنا بالاحتفال التقليدي كمن يأكلُ قشرة الفاكهة ويرمي لُبَّها.

 

مضى العيدُ الذي يجمعنا، ونُحرت الأضاحي ووزِّعت، فهل شحنّا قلوبنا برسائله العظيمة وغاياته السامية؟ تكادُ تكونُ قافلة الصمود المنطلقة من تونس والجزائر والمغرب وليبيا وحدها من تحملُ هذه الرسائل والغايات، فنُظِّمت ورُسِمَ مسارُها تحت صدى التهليل والتكبير، فطابت التلبية لنصرة إخوةٍ أخبرنا نبيُّنا الكريم في حديث ابن عمر بإخراج ابن ماجه أنَّ إزهاق أرواحهم أعظم عند الله من هدمِ بيته الحرام.

شارك

مقالات ذات صلة