مجتمع
في سياق تحديات إنسانية كبيرة، تتوالى المبادرات المدنية في شمال سوريا وغيرها، دعماً لعودة النازحين إلى منازلهم بعد سنوات من التهجير والمعاناة، وتسعى منظمات محلية متنوعة كل حسب إمكانياته إلى ترميم المنازل المتضررة، وإعادة تأهيل المدارس وتأمين وسائل النقل للأسر الراغبة بالعودة من المخيمات أو من بلدان اللجوء مثل لبنان.
من هذه المبادرات، يعمل فريق “ملهم التطوعي” على ترميم منازل بشكل جزئي إضافة إلى دعم النقل اللوجستي للعائلات، بالتنسيق مع المجالس المحلية والجهات الرسمية، كما تبرز مبادرات أخرى تنفذها منظمات مثل “هذه حياتي” عبر متطوعيها المنتشرين في الميدان، تركز على توفير الدعم المباشر للعائدين من خدمات لوجستية مثل المساعدة على نقل الأثاث المنزلي في سيارات مخصصة.
في هذا التقرير، ترصد “سطور سوريا” أبرز الجهود المجتمعية التي تشجّع النازحين على العودة، والتحديات التي تعترض هذه العودة، من نقص الخدمات إلى تعقيدات إعادة الإعمار.
أكد عاطف نعنوع، مدير فريق “ملهم التطوعي” لموقع “سطور”، أن الفريق اعتمد عدة آليات لدعم عودة النازحين من المخيمات إلى مناطقهم الأصلية، أبرزها تأهيل البنية التحتية وترميم المنازل وتأمين وسائل النقل للأسر الراغبة في العودة.
وقال نعنوع في تصريح لـ”سطور سوريا”: إن المنظمة تعمل بشكل مباشر على إعادة تأهيل المنازل المتضررة، سواء من خلال الترميم الكامل أو مشاركة العائلات نفسها في عمليات البناء، حيث تقدم لهم الدعم المادي أو تتولى تنفيذ مراحل إنشائية محددة مثل صب الأسقف، خاصة في المناطق التي تعرضت لتخريب ممنهج في البنية الإنشائية مثل إزالة الحديد من الأسقف من قبل النظام البائد.
وأوضح نعنوع أن إعادة تأهيل المدارس أيضاً تؤدي دوراً مهماً في تشجيع الأهالي على العودة، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية كالمساجد والمدارس، وهو ما يعمل عليه فريق “ملهم التطوعي” حالياً في ريف دمشق وريف حلب، ولفت إلى وجود دراسات تُعد حالياً لإطلاق مشاريع ترميم أوسع تشمل البنية التحتية والمنازل والمدارس والمساجد.
وأشار إلى مشروع تنفذه المنظمة حالياً في بلدة رتيان بريف حلب، يتضمن صبّ أسقف 110 منازل بالتعاون مع أصحابها الذين يتكفلون ببناء الجدران، مضيفاً أن هذا النوع من الدعم يساهم بشكل فعلي في تحفيز الأسر على العودة والاستقرار.
من جهتها، ساهمت منظمة “هذه حياتي” في تسهيل عودة مئات العائلات من مخيمات النزوح إلى قراها الأصلية، خاصة في مناطق ريف إدلب، وأوضح زاكي الصالح، متطوع ميداني في المنظمة، خلال حديثه لـ”سطور” أن الفريق لم يعتمد آلية ثابتة أو معايير معقدة لاختيار المستفيدين، بل ركّز على تأمين وسائل النقل للعائلات التي لا تملك القدرة على الانتقال بمفردها.
وأضاف أن الفريق بدأ بعد شهر ونصف من سيطرة المعارضة على بعض المناطق، بتجهيز سيارات خاصة لنقل هذه الأسر، استجابة لرغبتها الشديدة في العودة رغم الدمار الكبير المحيط بمنازلها.
المتطوع الميداني أضاف أن اختيار المستفيدين لم يكن وفق معايير ثابتة، بل كان بناءً على توجيهات من الجهات الرسمية لا سيما في الحالات التي استدعت إخلاء مخيمات بالكامل حيث نقلوا حتى الآن نحو 400 إلى 500 عائلة إلى عدة قرى في ريف إدلب، منها كفر سجنة وأطراف سراقب ومعرة النعمان ومعر شمشم ومعر شمارين.
ومن بين العائدين، كانت عائلة محمد البالغ من العمر 60 عاماً إلى منزلها في مدينة معرة النعمان، بعد نحو 8 سنوات من النزوح، وقال محمد الذي نُقلت عائلته بدعم من منظمة “هذه حياتي”: إن العودة رغم الدمار كانت ضرورية وأساسية حيث يجب علينا العودة والمساعدة ببناء مدينتها لإعادتها لما كانت عليه قبل تدميرها من النظام البائد.
أضاف محمد إنهم طيلة هذه السنوات كانوا يعيشون في خيمة لا تحميهم لا من برد الشتاء ولا من حر الصيف، مشيراً إلى أن منزلهم يحتاج إلى ترميم كبير لكن جدرانه تشعرهم بالأمان في كل الأحوال وهو ما افتقدته العائلة طوال سنوات النزوح.
وعبّر محمد عن تفاؤله بتحسّن الواقع الخدمي والأمني في المدينة، موضحاً أن عودته لا ترتبط بإعادة الخدمات، ويجب على أهالي المنطقة العودة والمساهمة بالبناء وتحسين الظروف المعيشية ولو كان بطيئاً، وإن كانوا بالخارج وظروفهم لا تسمح بالعودة يستطيعون المساهمة مادياً.
وحول المدة الزمنية لتنفيذ هذه المبادرات، أوضح عاطف نعنوع أن المشاريع تختلف بحسب نوعها، فمثلاً مشروع رتيان بدأ قبل حوالي شهرين، ويتوقع أن يستمر نحو شهر آخر، على أن يُعزز لاحقًا بإنشاء مدرسة في القرية، وهو مشروع يحتاج قرابة 3 أشهر، أما المشاريع التي تقتصر على تأمين وسائل النقل، فلا تتجاوز مدة تنفيذها يومين، يتم خلالها تنظيم عملية الانتقال وتجهيز المركبات.
وفيما يخص التنسيق مع الجهات المعنية، شدد مدير فريق “ملهم التطوعي” على أن جميع الأعمال تتم بالتعاون مع المجالس المحلية والبلديات وهيئة العمل الإنساني في سوريا، ويُحصل على الموافقات اللازمة قبل بدء أي مشروع، سواء كان يخص ترميم المنازل أو المدارس أو حتى توزيع المساعدات المرتبطة بعودة الأهالي.
وحول مدة التحضير لمبادرات منظمة “هذه حياتي”، قال زاكي الصالح لـ”سطور”: إن الفريق بدأ بالتنفيذ بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة التنمية الإدارية وهيئة العمل الإنساني في سوريا، وبمساعدة أطراف أخرى من بينها فرق تطوعية ومنظمات محلية، إضافة إلى مساهمات من رجال أعمال وأهالي القرى ذاتها.
وأكد الصالح، أن العملية تمت بانضباط وتنظيم وكان لمرافقة الجهات الرسمية خلال عمليات النقل دور مهم في حل أي إشكال طارئ على الأرض.
ورغم أن طريق عودة النازحين إلى مدنهم ما يزال محفوفاً بالتحديات خاصة في ظل غياب الخدمات الأساسية، فإن ما تحقق حتى الآن يعكس قدرة المجتمعات السورية على ترميم ما تهدم بجهود الأهالي والمبادرات المجتمعية.