Search

Close this search box.

سياسة

لماذا أصبحت القضية الفلسطينية رمزا لمعركة الخير والشر في العالم؟

يونيو 1, 2024

لماذا أصبحت القضية الفلسطينية رمزا لمعركة الخير والشر في العالم؟

“أن تحب العدالة هو أن تحب فلسطين”، هذا ما كتبه الأسبوع الماضي في تغريدة على موقع اكس  المدير السابق لمكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي استقال من منصبه من أجل غزة في بداية الحرب، ثم أردف في نفس التغريدة قائلا أنه  لم يولد فلسطينيا، لكنه بعدما رآه من بشاعة إسرائيل، فقد أصبح الآن فلسطينيا.

ولكن لماذا فلسطين؟ سواء بالنسبة لكريج مخيبر، أو للملايين حول العالم الذين يهتفون “بآلافنا وملاييننا، كلنا فلسطينيون”، ونحن في وقت لا تزال البشاعات حول العالم ترتكب يمينا ويسارا. الإجابة أن قضية فلسطين باتت رمزا لمعركة الخير والشر للإنسانية، وفقدانها للقانون والحق والعدالة بين البشر، وقانون الغابة. الأمل في مستقبل آخر، أو التسليم بتسليمه لمطامع المال والفساد، ليصبح مملوكاً لمنظومة الرجل الأبيض الإمبريالية والاستعمارية- وأتباعه.

وقبل أن أتناول الأسباب، أريد أن أنوه أني لن أتناول الموضوع من جانب المعاناة وحجم الكارثة البشرية، وإلا لوقعنا بمنزلق خطير وهو “مباراة المعاناة” التي تظلم كل الضحايا بدلا من أن تناصرهم. فمعاناة طفل تم تجويعه أو قتله في هاييتي أو اليمن أو السودان أو الكونجو أو غزة كفيلة بجعل القلب ينفطر ويخشع، ولا يصح مقارنته بضحية أخرى.

ومن ثم، فإن أول ما يميز قضية غزة هو وضوح الصراع بتجلي، مع وضوح الجاني، والفقدان التام لمشروعية مزاعمه، وبيان شره تمام البيان! ففي كثير من الصراعات الدولية، سواء كانت بين الدول أو بداخلها، تظهر لمختلف الأطراف دعاوى مشروعة، ك ما في حالات النزاعات الحدودية، مثلا، التي يكون  لكل طرف في النزاع مزاعم مبنية على أسباب موضوعية، أو نزاعات طائفية، حيث يصبح تحديد الجانب المحق، بموضوعية، صعبا!

أما الصهيونية، فتقوم فكرتها على الاستعمار الاستيطاني، فكرة انفرد بها الرجل الأبيض دون باقي البشر، حيث أعطى حقا لنفسه في إبادة السكان الأصليين ليستبدلهم ويحل مكانهم. فحتما، حياته هي الوحيدة التي لها قيمة ولا قيمة لملاك الأرض الأصليين! لا يتجلى الفرقان بين الخير والشر كتجليه في صراع كهذا الصراع.

والجانب الثاني في قضية غزة، هو انعدام التوازن بين القوى، بشكل فج وصارخ، وليس فقط اختلاله. فلا صورة تعكس انعدام التناسب بين القوى في صراع دموي، كما تتجلى في غزة، حيث تستفرد عصابة دول الاستعلاء الأبيض بقوتها وجبروتها وثرواتها ودولاراتها  وأسلحتها وطيرانها ودباباتها، على شعب بلا جيش أو سلاح يذكر، محاصرا من جميع الجهات، سبق من قبل إفقاره فتجويعه فقصفه جوا وبحرا ليل نهار!

إن غزة، القلب النابض لفلسطين، أصبحت المرآة، الشاهد والدليل على وحشية ونفاق منظومة الاستعلاء الأبيض، بإمبراطورياته، ورأس ماله، ومنظومة تسويق أكاذيبه. وإن لم تكن تلك الصورة كافية لتثير ثائرة أي شخص يملك مثقال ذرة من عدل، فإن خطاب تلك المنظومة، من فرط نفاقها وبجاحة أكاذيبها، يكاد يكون أقسى وأمر.

يرى العالم، كيف أمدت أمريكا و أوروبا إسرائيل بأطنان من القنابل بناء على قصة مزعومة لمقتل 40 طفلا، بينما لم تحرك ساكنا، لرؤية 14000 طفلا فلسطينيا قتيلا باتت جثامينه وصوره المتفحمة تدور على مرأى العالم ومسمعه. لا يغيب عن العالم، كيف ترى المؤسسات الغربية الصراع، فبينما ترى الإسرائيلي كما لو كان طفلا بريئا قُتل بوحشية حتى وإن كان جنديا قتل أثناء عدوانه، بينما ترى موت الفلسطيني  “سقوط إرهابي” أو “وجود ضحايا”، ذلك إن تناولت موتهم أصلا. فقد يموت العشرات  في مجزرة كاملة ، فلا تذكرهم البتة، أو تذكرهم على الهامش، بعبارة  “يُزعم وجود ضحايا”، وليس “رأينا مقابر جماعية وجماجم متآكلة وأطفالا وطواقم طبية أعدمت ميدانيا”!

لا يغيب عن العالم، كيف أن الفلسطيني، يدان ويشيطن مهما كان مسالما، مهما كان متعلما، مهما كان لبقا، حتى وإن كان ملاكا، وأن الإسرائيلي، لا يدان مهما كانت وحشية أفعاله. فبينما انفطر قلب العالم لحرق إسرائيل النازحين في خيامهم في رفح، ظهرت آلات المؤسسات الغربية تبررها كأنها كانت مجرد “حادثة” بالخطأ. فحين سأل صحافي الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي”كم من الأجساد المحترقة عليكم أن تروا قبل أن تغيروا سياستكم؟”، فبدلا من رد مخوخ يظهر تعاطفا، وإن كان كاذبا، أو يظهر الإدانة أو الاستياء ولو نفاقا، يرد الناطق “أنا مستاء من السؤال”!

فكل أفعال إسرائيل، مهما كانت، مبررة ومشروعة، وما سوى ذلك فيبدو أنه كان مجرد خطأ! فمقتل هند رجب كان خطأ، مجزرة مستشفى الشفاء الأولى لم تكن إسرائيل فاعلتها، حريق النازحين في خيام رفح كان بالخطأ، وهكذا كان الاستيطان كله! فإسرائيل الكيان الوحيد حول العالم الذي يقوم بإبادة وتطهير عرقي على مدى عقود، بالخطأ ودون انتهاك القانون.

لا يغيب عن العالم، كيف أن القانون الدولي التي تتشدق به القوى الغربية، أصبح ألعوبة في يدها، لا تخجل مؤسساته بإرهابه والتحكم به والسيطرة عليه! فيهدد الموساد أعضاء المحكمة الدولية، وكذا أعضاء مجلس الشعب والشيوخ الأمريكية، وصولا إلى رئاسة الجمهورية! لا يغيب عنهم كيف أشادوا بقرار المحكمة بملاحقة روسيا، رغم أنها ليست دولة منضمة، بينما أدانوا ملاحقة إسرائيل، وهددوها علنا!

فمَن مِن شعوب الجنوب لا يغيب عنه هذا التمييز العنصري الغربي؟ من من شباب الشعوب الغربية نفسها، أبيضا كان أو من الأقليات، حين يكتشف كل هذا العطب المؤسسي والهيكلي من خلال وسائل الإعلام الحديثة، لا من خلال المؤسسات التي ظن أنها حرة، لا يستشيط غضبا ويشعر بأنه هو أيضا فلسطيني؟

وأخيرا، فهى المقاومة وحدها، أبرز ما يميز غزة ويمنحها الصدارة على ما سواها، المقاومة التي لم يُسمح لها بالبقاء على بقعة واحدة فوق سطح الأرض، فاتخذت الأنفاق تحت الأرض ساحة للقتال والصمود، فوقفت شامخة متحدية، بينما ينحني العالم راكعا. ولهذا درجت عبارة “نحن لا نحرر غزة، بل غزة/فلسطين هي التي تحررنا جميعا”.

فبالمقاومة، وقف الفلسطيني يستفتي العالم على مستقبل البشرية، هل من الممكن للخير أن ينتصر؟ أم أننا لن نرى عدالة بعد اليوم، وسنرى الشر يريق الدماء أمام أعيننا، سارقا الأرض من ملاكها وأهلها ليبني عليها منتجعاته، ومستوطناته، متدفئا بالغاز والثروات المسروقة من تحت جثامين الأطفال؟

شارك

مقالات ذات صلة