مشاركات سوريا

مجزرة الكيماوي في الغوطة صمت الأنفاس وصرخة الضمير

مايو 30, 2025

مجزرة الكيماوي في الغوطة صمت الأنفاس وصرخة الضمير

أسامة محمد 



في فجر 21 آب/ أغسطس 2013، استيقظت الغوطة الشرقية، قلب دمشق النابض، على رعبٍ لم يشهده التاريخ الحديث. لم تكن أصوات القذائف أو دوي الانفجارات هي التي هزّت المنطقة تلك الليلة، بل كانت سحابة الموت الصامت التي أطلقها النظام السوري الساقط: غاز السارين الكيماوي. في لحظات، تحولت أحياء زملكا وعين ترما ودوما إلى مقبرةٍ جماعية، حيث خنق الموت مئات الأطفال والنساء والرجال دون أن تُراق منهم قطرة دم واحدة. كانت مجزرة الكيماوي جريمةً لم تستهدف الأجساد فحسب، بل أرادت إسكات أنفاس شعبٍ ثار من أجل الحرية.



ليلة الموت الصامت


تحت جنح الظلام، أطلقت قوات النظام صواريخ محملة بغاز السارين (السمّ العصبي القاتل) على أحياء الغوطة السكنية. لم يكن هناك تحذير، ولا فرصة للهروب. الغاز الخفي تسلل إلى البيوت، تسرّب عبر النوافذ، واستقر في صدور النائمين، الأطفال الذين كانوا يحلمون، والأمهات اللواتي أوين إلى فراشهن بعد يوم من الخوف، والرجال الذين كانوا يحرسون أحياءهم، جميعهم بدؤوا يختنقون. لم تكن هناك جروح ظاهرة، ولا دماء تسيل، بل كان الموت يأتي بصمتٍ مرعب: أنفاسٌ تتسارع، أجسادٌ ترتجف، عيونٌ تتسع رعباً، ثم سكونٌ أبدي.



مشاهد الغوطة تلك الليلة كانت كابوساً يفوق الوصف. أطفالٌ يتلوّون على الأرض، يلهثون بحثاً عن هواءٍ لم يعد موجوداً كأسماك أخرجت من ماء. أمهاتٌ يحاولن إنقاذ أبنائهن، لكنهن يسقطن إلى جانبهم. رجالٌ يحملون أطفالهم إلى الخارج، آملين أن ينقذهم الهواء الطلق، لكن السمّ كان قد سبقهم. في المستشفيات الميدانية، كان الأطباء يصارعون الزمن بأدواتٍ بدائية، يحقنون الأتروبين ويحاولون إنعاش الضحايا، لكن الموت كان أسرع. صور الأجساد الممددة في صفوفٍ طويلة، مغطاة بأكفانٍ بيضاء، والأطفال الذين بدوا كأنهم نيام لولا شحوب وجوههم، هزّت ضمير العالم.



وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان، بلغ عدد الضحايا أكثر من 1400 شخص، بينهم مئات الأطفال والنساء. الغوطة، التي كانت رمزاً للصمود والمقاومة على مر العصور، قد دفعت ثمناً باهظاً لثورتها ضد الظلم.



جريمة مُدبّرة وصمتٌ دولي


لم تكن مجزرة الكيماوي عملاً عفوياً، بل كانت جريمة حرب مدروسة نفّذها النظام السوري بدعم من حلفائه. تقارير الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكدت استخدام غاز السارين، وأشارت الأدلة إلى مسؤولية النظام بشكل مباشر. 


كان الهدف واضحاً: إبادة جماعية لسكان الغوطة، وترويع المدنيين، وكسر إرادة الثوار. استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً كان رسالة من النظام بأنه لا حدود لمشيئته في الحفاظ على سلطته.


رغم بشاعة الجريمة، جاء رد الفعل الدولي مخيباً للآمال. رغم الإدانات والوعود بمحاسبة المسؤولين، لم يُترجم الغضب إلى فعلٍ حاسم. الخطوط الحمراء التي رسمتها دول كبرى تلاشت، واستمر النظام في جرائمه دون عقاب. الناجون من الغوطة، الذين فقدوا عائلاتهم وأحباءهم، ظلوا يحملون ذكريات تلك الليلة، وهم يتساءلون: أين العدالة؟


أنفاسٌ أُسكتت وصوتٌ لا يموت


مجزرة الكيماوي في الغوطة لم تكن مجرد هجومٍ على أجساد الضحايا، بل كانت محاولةً لإسكات صوت شعبٍ يطالب بالحرية والكرامة. لكن أنفاس الغوطة، رغم أنها خُنقت، تحولت إلى صرخةٍ مدوية ما تزال تتردد في ضمائر الأحرار. كل طفلٍ قضى مختنقاً، وكل أمٍ رحلت وهي تحتضن وليدها، وكل رجلٍ سقط وهو يحاول الإنقاذ، هم شهداءٌ كتبوا بدمائهم ملحمة الصمود السوري.

شارك

مقالات ذات صلة