مدونات

مآسي غزة توقظ الضمير الأوروبي والعربي في خبر كان!

مايو 27, 2025

مآسي غزة توقظ الضمير الأوروبي والعربي في خبر كان!

للكاتب: عادل العوفي

 

لن تسعفنا الكلمات في وصف هول المحرقة التي يتعرض لها أهلنا الصامدون المرابطون في قطاع غزة؛ كما لن يكون مجديًا البحث عن عبارات تلخص واقعنا العربي المأساوي المزري الذي نحياه اليوم.
صحيح، قرأنا في كتب التاريخ عن مراحل بشعة يندى لها الجبين من انحطاط وتشرذم دون أن يدور في خلدنا أننا بدورنا سنعيش “أتعس” حقبة، ونرى بأم العين كيف يُزور التاريخ أمامنا ويتم التلاعب بالحقائق والعبث بها خدمة لأغراض فئة معينة.
كما كتب المبدع عبد الرحمن منيف يومًا ما، وهو محق في كل ما صاغه: “التاريخ قصة طويلة وحزينة، تمتلئ بالأكاذيب، وقد كانت بهذا الشكل منذ البداية، وسوف تستمر هكذا”. وهي بالفعل باقية ومستمرة في التناسل، وبالتالي خلق “أبطال من ورق” وشخصيات كرتونية عاجزة عن إدخال علبة دواء وقطعة خبز لطفل يتضور جوعًا على بعد أميال فقط.

ما كشفه “طوفان الأقصى” والسابع من أكتوبر، كشف عورات هذه الأمة الواهنة العاجزة التي تتنفس عشق الخيانة والطعن من الخلف، وتنصلت من كل قيم دينها الحنيف وحتى موروثات أبنائها المتناقلة لأجيال. والدليل أننا، وبعد مرور كل هذه الأشهر من المجازر الصهيونية، بدأت حتى الدول الغربية التي قدمت فروض الطاعة والولاء للكيان اللقيط، تخجل وتستحي لهول ما تشاهده في القطاع الأبي، وبدأوا في البحث عن منافذ للتنصل من هؤلاء المجرمين والتضييق عليهم.

 

هبة أوروبية: أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا
هذا المثل يلخص حالة الغليان و”صحوة الضمير” المفاجئة للعديد من الدول الأوروبية التي تسعى للتكفير عن القليل من خطاياها التي لا تُعد ولا تُحصى، وهي المتيمة بالكيان الصهيوني لعدة أسباب معروفة لا داعي لسردها مجددًا.
لكنها على الأقل بدأت خطوات ملموسة للضغط على المجرم الصهيوني الذي لم يستسغ، حتى حدود اللحظة، كيف انتفض هؤلاء ضده، وهو الذي غرف من الحنان الأوروبي مطولًا.

طبعًا، هذه “الهبة الرسمية” تأتي رضوخًا لحالة الصخب العارم المستمر منذ أشهر في الشوارع الأوروبية، وبلغت مراحل متقدمة في الأيام الماضية نتيجة مقاطع الفيديو المخزية التي تصل من غزة وأهلها المحاطين بآلات القتل الشرسة وجحيم الجوع والحصار الخانق الظالم المستمر.

ويمكن استنتاج الخسارة الفادحة للصهاينة في حرب السردية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر، من خلال إلقاء جولة سريعة على فعاليات مهرجان “كان” السينمائي العريق، قبلة أهل الفن في شتى بقاع العالم.
حيث تصدرت المشهد قصة المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة، التي استشهدت بنيران العدو، حين خصتها رئيسة لجنة التحكيم “جولييت بينوش” بالتحية، كما أن فيلمها الذي يحمل عنوان “ضع روحك على يدك وامشِ” عُرض دون أن تتمكن من رؤية ذلك، بعد أن روت حكايتها وغادرت وهي تقاوم بآلة تصويرها لفضح ممارسات الكيان المجرم.

في نفس المهرجان أيضًا حضرت فلسطين بقوة، ومن المشاهد المثيرة للانتباه إصرار مؤسس “ويكيليكس” جوليان أسانج على ارتداء قميص يحمل أسماء 5000 طفل فلسطيني شهيد، ليوجه رسالة واضحة وصريحة حول ما يتعرض له هؤلاء وسط صمت عالمي مخزٍ.

 

صمت عربي مشين
مقابل التحركات الأوروبية والغربية عمومًا المتصاعدة، والتي تخنق رئيس حكومة العدو الصهيوني، ما زال الواقع العربي مثيرًا للاشمئزاز، وحالة الصمت المشينة تتمدد.
والأدهى والأمر “العنجهية” التي باتت تميز الأصوات الدخيلة على الفضاء، وصارت تتمتع بمساحات إعلامية واسعة للتعبير عن ميولها “الشاذة”.
وأصبحنا نرى في المغرب مثلًا وسومًا تكتسح الفضاء والهواء على غرار “تازة قبل غزة”، هذا الشعار المخزي الذي كان يحاول أن يجد موطئ قدم له على استحياء قبل سنوات، لكنه عاد اليوم وزاده تفشي جهات مشتبه فيها تحمل عنوانًا مقززًا هو “كلنا إسرائيليون”.

الحال لا يختلف في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والمصرية التي تصب كلها في خانة واحدة معروفة.
وبما أننا ذكرنا نموذج مهرجان “كان” السينمائي، نتساءل في نفس السياق: أين الفنانون العرب مما يحدث في غزة؟ وأين الإنتاج العربي الذي تُصرف عليه أرقام فلكية في التفاهة والسخافة لمواكبة مآسي أشقائهم؟

الجواب يمكن اختصاره في واقعة الفنان المصري الشاب محمد سلام، الذي ما زال يُعاقب ويُحاصر حتى اللحظة، بعد مقطع الفيديو الشهير الذي اعتذر فيه عن المشاركة في مهرجان الرياض.
ويبدو أن الرسالة وصلت للجميع، وبالتالي لا أحد يريد المجازفة وتحمل العواقب.

 

الخلاصة المريرة
المؤكد أنه لو ظل الرهان على “ضمير عربي” ميت؛ فإن النتيجة معلومة سلفًا، ولنا في الماضي دروس ما زلنا نكتوي بنيرانها.
وحتى الكيان الصهيوني يدرك ذلك مليًا، والدليل هذا التصريح الصادم الصادر عن مستوطن وعضو الكنيست من اليمين المتطرف ويدعى “تسفي سوكوت”، قال فيه بمنتهى الخسة:
“هذه الحرب أثبتت أننا نستطيع قتل 100 فلسطيني في ليلة واحدة دون أن يكترث العالم لذلك”.

نتمنى أن يتواصل الغضب الغربي والضغوط العملية على المجرم نتنياهو، مع الملاحم الأسطورية التي يسطرها أبناء القطاع الأبي لإفشال كل الخطط الخبيثة التي تستهدفهم.


والباقي يختصره الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر في إحدى قصائده النارية، كالعادة، حين كتب:
قلت: إذن حكام العرب سيشعرون يومًا بالخجل؟
قال: ابصق على وجهي إذا هذا حصل.

 

شارك

مقالات ذات صلة