سياسة

من جنوب لبنان إلى غزة: اقتراع على الوجود بالحبر والدم!

مايو 27, 2025

من جنوب لبنان إلى غزة: اقتراع على الوجود بالحبر والدم!

ليس عابرا أن يشق الجنوبيون في لبنان طريقهم بين أنقاض الحرب إلى صناديق الاقتراع في انتخاباتهم البلدية، فأهل الأرض أرادوها بصمة بحبر المواجهة والتمسك بالجذور، لتمتزج على الضفة الأخرى من الحدود بجوع ووجع من يبصمون بالدم في غزة للهدف عينه، ولسان حالهم جميعا ها نحن هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون.

وفي زمن تعاد فيه هندسة الجغرافيا السياسية في الإقليم ويقدم كثر أوراق اعتمادهم في سبيل تطبيع مذل، ترتفع الرايات والقبضات في مكان آخر لتقول كلمتها بالدم والدمار والدموع، فيعتدل الميزان مجددا على مبدأ الثبات في الأرض والعداء لإسرائيل مهما شهدت المنطقة من تحولات وتبدلات ومهما خطت على خرائطها من معادلات.


مشهدية لم ترق لأعين المحتل الذي تداول إعلامه الأخبار بطعم الإحباط قائلا:” اللبنانيون على امتداد الجنوب يقترعون، ما يزال حزب الله مسيطرا على المنطقة”.  فيما تعلو وبشكل يومي أصوات المعارضين لنتنياهو المتخبط في وحل غزة ومشاريع التجويع والتهجير، معتبرين أنها لم تبلغ المرجو منها حتى اللحظة، كما أنها فشلت في ردع صواريخ المقاومة التي ما تزال تنطلق بين الفينة والأخرى نحو مستوطنات الغلاف، وسط صراع داخلي يحتدم على الجدوى من استمرار حرب شعواء لم تعد الأسرى ولم تجلب سوى المزيد من الخسائر والعزلة الدولية للإسرائيليين.

بين صمود غزة وإرادة الحياة في جنوب لبنان، يشهر الأهالي سلاح انتسابهم لهذه الأرض، يكتب الأطفال أحلامهم على كتل الركام ويتشكل الوعي بالتاريخ والحاضر والمستقبل وتفضح عيون المقهورين تخاذل من نأى بنفسه جالسا على مقاعد المتفرجين. على الحدود مع مستوطناته الشمالية أراد نتنياهو أن يرى منطقة فارغة مهجورة تئن شللا اقتصاديا واجتماعيا، وما كان من الأخيرة إلا أن واجهته برسالة حضور تعج بالحياة وشارات نصر ارتفعت بحبر التصويت للوائح المقاومة ووفاء لدماء الشهداء وصرخة تحد وصمود في وجه آلة الموت التي تنتهك الأرض والسماء كل يوم، وعلى بعد أمتار فقط من الأراضي الفلسطينية المحتلة سجلت نسبة اقتراع تجاوزت تلك التي سجلت في الانتخابات السابقة. سقطت رهانات نتنياهو وبدا أن الحرب والاغتيالات والإجرام لا تعني محو شعب عن الخارطة أو نهاية محسومة في مرمى أهدافه وأطماعه، تماما كما أن الجائعين والمحاصرين في غزة لن ينتهي إيمانهم بحقهم في الحياة ولن يورثوا الهزيمة لأجيال ستأتي لتثأر وتواصل طريق النضال ولو عاش الفلسطينيون النكبة تلو الأخرى فالحق لا يسقط بتقادم الأزمنة.


إرادة حياة تقف سدا منيعا في وجه ما يحاك من خطط ومؤامرات على مسرح بلدان مهددة بالسلب والهيمنة من قبل المستقدمين من شتى أنحاء العالم، بين عدوان وإبادة وتجويع وحصار وتهجير يمضي نتنياهو ومن خلفه بفرض التطويع والاستسلام، متسلحا بالقوة باعتبارها القدر المحتوم لتركيع الشعوب، بل إن أي شكل من أشكال الرفض والمواجهة ممنوع على الإطلاق باعتباره أيضا مغامرة هشة وخاسرة ستأتي على أصحابها بالويلات.

أما أصحاب القرار في المنطقة فاختاروا أن يصطفوا خلف جوقة التطبيل لخيارات السلام الزائف، وهللوا فرحا ورقصا للكاوبوي الأمريكي الذي صال وجال مستثمرا اللحظة وعاد ممتلئا حد التخمة بالكرم العربي، تبعه بأيام قليلة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي ردد من لبنان عباراته المعتادة عن السلام وضرورة نزع سلاح المخيمات ومنع أي عمل مقاوم ضد إسرائيل، لتكتمل أكثر فأكثر صورة اللاهثين وراء استسلام مجاني ظنا منهم أن ذلك هو الخلاص الوحيد والملاذ المنجي  من جحيم الاستعمار الجديد الذي يرسم المزيد من خرائط السطو والهيمنة على الأرض والمقدسات، وتلك جدلية تسقط عند من ينهض من بين الموت والدمار ليجدد عهده مع الأرض والشجر ورغيف الخبز، وعند أقدام من يناضل بأمعائه الخاوية ويتقدم بجسده العاري حتى الرمق الأخير.


تتوالى الأيام إذا، الموت جماعي والحزن فردي، والنسيان بالتعود مهرب ممتاز، أو ربما على الحزن أن ينتظر طويلا  قبل أن يتعمق حتى يستحيل غضبا  ينعش الروح من هوانها فتولد العاصفة والعاصفة تستولد الثورة ضد قتلة الأحلام، لأن حزن الانكسار لا يصنع إلا المزيد من اليأس، وتلك رسالة أصحاب الأرض إلى العاجزين والمتقاعسين، فالوطن ضيف ثقيل الوطأة على الآخرين مهما استشرسوا للاستيلاء عليه، فلا مجال لوطن لاجئ، أو وطن طائر، أو وطن بديل، الثابت فقط هو أن تعبر الموت فيعبر وطنك إلى الحياة ويعود العابرون  من أطراف الكرة الأرضية أدراجهم. القاتل هو القاتل، والدم هو الدم، والأرض هي الأرض، والصفقة مستحيلة، فكيف تعقد الصفقة ومع كل استحقاق يتشبث أهل الأرض بوجودهم وماضيهم ومستقبلهم، يقترعون لبقائهم يقاومون ويواجهون ويزفون شهداءهم ويستمرون، كيف تعقد الصفقة وأهل الأرض موضوعها والعنصر الأول والأخير فيها!

 

شارك

مقالات ذات صلة