مجتمع
جميل العبدالله
في لحظة التحوّل السياسي التي تعيشها سوريا بعد سقوط النظام البائد، تتجه الأنظار إلى فئة الشباب باعتبارها الركيزة الأساسية لبناء مستقبل مختلف.
ما يُلفت الانتباه في المرحلة الانتقالية الراهنة هو الحضور المتزايد لعدد من الوجوه الشابة ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة، وهو مؤشر إيجابي على أن هناك إرادة فعلية لإشراك الشباب في مواقع القرار وصناعة السياسات. هذا التحول، وإن كان ما يزال في بداياته، يُعبّر عن فهم جديد لطبيعة المرحلة، وحاجة الدولة إلى دماء جديدة قادرة على استيعاب تعقيدات الحاضر، والتفكير في آفاق المستقبل.
لقد كان الشباب في طليعة الثورة السورية، وها هم اليوم مطالبون بأن يكونوا في طليعة بناء الدولة الجديدة، دولة العدالة والتعددية والسيادة الوطنية.
الشباب السوري هو الجيل الذي عاش صدمة القمع والانقسام والتهجير، لكنه في الوقت ذاته، جيل تجاوز الخوف، وخرج يهتف لسوريا حرة.
لقد تَعرّضوا على مدى عقود للتهميش والإقصاء من الفضاء السياسي، حيث اختُزل دورهم في واجهات حزبية لا تعترف بالكفاءة، ولا تتيح فرصاً حقيقية للمشاركة.
بعد الثورة، وبعد انهيار النظام البائد، برزت هذه الفئة مجدداً، لا مجرد ضحايا، بل قوة اجتماعية وسياسية تملك مشروعاً وطنياً، قائماً على فكرة المواطنة والمشاركة والتعددية.
رغم أن الفضاء السياسي ما يزال في طور التشكل، الفرصة اليوم متاحة أمام الشباب لإعادة تعريف دورهم، من خلال:
هذا الانفتاح السياسي الجديد يمنح الشباب دوراً يتجاوز التبعية، ويفتح أمامهم باب التأثير الحقيقي في بناء النظام السياسي الجديد.
إن مناقشة شكل الدولة ونظام الحكم يجب ألا تكون حكراً على نخب تقليدية.
من حق الشباب، بل من واجبهم، أن يشاركوا في صياغة الدستور القادم، لأنه سيحكم حياتهم لعقود مقبلة.
ينبغي أن يكون لهم تمثيل واضح في اللجنة الدستورية، وفي جميع العمليات التشاورية، لضمان أن يعكس الدستور تطلعاتهم، ويحفظ حقوقهم، ويضمن توازن السلطات والعدالة السياسية والاجتماعية.
لا يكفي الاعتراف بدور الشباب نظرياً، بل يجب تحويله إلى سياسات عملية، من أبرزها:
لا أحد ينكر حجم التحديات التي تواجه الشباب السوري اليوم:
النزوح، البطالة، ضعف الخدمات، الانقسام المجتمعي، وفقدان الثقة بالسياسة.
لكن في المقابل، يمتلك هذا الجيل أدوات لم تكن متاحة سابقاً، مثل الإعلام الرقمي، وشبكات التواصل، والتجربة السياسية المتراكمة في سنوات الثورة.
وهناك حاجة ملحة لتفعيل دورهم في المصالحة الوطنية، وإعادة بناء الثقة، وقيادة التحول السلمي.
تُظهر التجارب المقارنة أن إشراك الشباب في المراحل الانتقالية ليس رفاهية، بل ضرورة.
وسوريا ليست استثناء، بل هي بحاجة إلى شبابها أكثر من أي وقت مضى.
إن مستقبل النظام السياسي في سوريا لا يمكن أن يُبنى بعقلية ما قبل الثورة، ولا يمكن أن يُدار بمنطق الإقصاء والمحسوبيات، فالشباب هم الكتلة الحيوية القادرة على حمل مشروع الدولة الديمقراطية، الوطنية، الجامعة.
والمطلوب اليوم هو منحهم الثقة، والمساحة، والأدوات، لاختبار قدرتهم على القيادة وصناعة القرار.
فكما كانوا في الخط الأول حين خرجوا يطالبون بالحرية، ينبغي أن يكونوا اليوم في الصف الأول، يرسمون ملامح سوريا الجديدة، دولة العدل، والكرامة، والسيادة.




