آراء

بين العشق والسلطة.. نار تسقط الدولة!

مايو 25, 2025

بين العشق والسلطة.. نار تسقط الدولة!

لا أحد ينكر شأن المرأة المجيد في السياسة الإسلامية، فقد كانت النساء في صدر الإسلام شركاء في الرأي والمشورة، بل في تحديد مصير الأمة أحياناُ ، ويكفي أن نشير إلى ما رُوي عن أم المؤمنين صفية بنت حيي، حينما استشارها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، و مساهمة زوجاته أمهات المؤمنين الأخريات في توجيه الرأي داخل بيته النبوي في مواقف فارقة ، فقد كانت المرأة المسلمة صوتًا عقليًا متزنًا حين ارتفعت راية الرسالة، وكان حضورها في الميدان السياسي والاجتماعي مؤطرًا بالتقوى والحكمة لا بالهوى والانفعال.


لقد سطّر التاريخ الإسلامي صفحات مضيئة لمشاركة النساء في الحكم والفكر والسياسة، من فاطمة بنت عبد الملك، إلى زبيدة زوجة هارون الرشيد، إلى أسماء بنت شهاب التي كانت شريكة زوجها في الحكم في اليمن والعالمة الفقيهة موجهة العلماء فاطمة بنت جوهر وغيرهن .

 

لكن التاريخ لا يسير دوماَ على وتيرة واحدة من أنماط البشر خصوصا بما يتعلق بموضوع علاقة المرأة بالشأن السياسي الاسلامي، فها هي عائشة الحرة، سلطانة غرناطة، تقدم نموذجًا مغايرًا ،  فقد كانت ذات نسب شريف من بني نصر الخزرجيين ومكانة عالية في بلاط بني الأحمر، وابنة بيت حكمٍ عريق، وزوجة السلطان أبو الحسن علي بن سعد، وأم السلطان أبي عبد الله محمد الصغير، آخر ملوك غرناطة. ورغم أن الظروف كانت تتطلب توحيد الكلمة وتثبيت الجبهة الداخلية أمام زحف القشتاليين، إلا أن السلطانة عائشة اختارت أن تجعل من خلافها الزوجي مع زوجها أبي الحسن بوابة لصراع سياسي دامٍ، فما الذي حدث؟

السلطان أبو الحسن كما تعلمون، رغم قوته وحنكته، قرر الزواج من زوجة ثانية ، وكانت امرأة نصرانية تدعى “إيزابيلا” ، قيل إنها ابنة أحد قادة القشتاليين ، وكان هذا القرار بالنسبة لعائشة الحرة طعنة في كبريائها، وترى بأنه فوق كونه زواجاً مؤذياً لفطرياً لمشاعر النسوة مهما علت درجة وعيهن ، تجد السلطانة عائشة أنه يحمل دلالات سياسية وحضارية ، أن يُفضَّلَ غريبٌ على أميرة أندلسية ذات نسب ملكي، وأن تدخل امرأة نصرانية إلى عرين الحكم الإسلامي وتكون ذريتها منافسة لذريتها في مسألة توريث الحكم بعد وفاة السلطان أبو الحسن.

 

لم تتحمل السلطانة عائشة وقع الأمر، فتحولت من زوجة سلطانية إلى زعيمة معارضة، تحرّك القصر من وراء الستار، وتدعم ابنها محمد الملقب بأبي عبدالله الصغير بالرجال والمال والتأييد الشعبي، وفعلاً، نجحت في تأليب القبائل والأعيان ضد زوجها أبي الحسن، وأشعلت بذلك نار الفتنة داخل الأسرة الحاكمة الغرناطية، فقُسمت المملكة إلى نصفين: أحدهما بقيادة السلطان في قصر الحمراء، والآخر بقيادة الابن الشاب المدعوم بأمه في منطقة البيازين والمرية.

هذا الانقسام السلبي الذي رعته عائشة لم يكن مجرد انتقال جبري داخلي للسلطة، بل فتح الباب أمام التدخل القشتالي الخارجي المباشر، وأضعف موقف المسلمين والدولة الغرناطية في التفاوض والمقاومة، وأدى إلى سلسلة من التنازلات والخيانات، وكان آخرها توقيع معاهدة التسليم المهينة عام 1492م التي وقعها السلطان ابو عبدالله ابن السلطانة عائشة ، و كثير من المؤرخين يرون أن تمزق البيت الحاكم هو السبب الأول في سقوط غرناطة، وليس قوة الأعداء وحدها.

 

وحين بكى ابنها أبو عبد الله وهو يسلّم مفاتيح المدينة، قالت له عائشة عبارتها الشهيرة التي خلدها الإسبان قبل المسلمين: “ابكِ مثل النساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال”. والسؤال الذي يطرح نفسه: مالذي استفادته السلطانة عائشة من هذا الصراع؟

شارك

مقالات ذات صلة