أقصى درجات الذل والمهانة التي لا يحتملها الإنسان.. Nightmare Alley!
الكاتب والمخرج والمنتج المكسيكي “غييرمو دل تورو” أتحفنا بفيلم “Pan’s Labyrinth” في عام 2006، ولاحقًا فيلم “The Shape of Water” الذي اكتسح جوائز الأوسكار في عام 2017، منها لأفضل فيلم وأفضل إخراج.
عاد “غييرمو دل تورو” في عام 2021 بالفيلم السوداوي الرائع والمبهر بصريًّا “Nightmare Alley” أو “زقاق الكوابيس”، المبني على رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب “وليام ليندسي غريشام”، التي أصدرها في عام 1946، وقد تحوّلت إلى فيلم سينمائي في عام 1947.
تدور الأحداث في فترة بداية الحرب العالمية الثانية، مع “ستان كارلايل”، وهو رجل خبيث وماكر ينضم إلى كارنيفال متنقّل لفرقة تقدّم عروضًا غريبة وعجيبة. إنّه يمتلك موهبة في التلاعب بالناس بكلامه المعسول. يقدّم الكارنيفال عرضًا رئيسيًّا لرجلٍ أقرب للمسخ والحيوان من الإنسان، والذي يقبع في قفص، ويبدو متهالكًا وضائعًا، و”ستان” يتساءل في عقله: كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة من الذل والمهانة؟!
هذا التساؤل يدفع “ستان” إلى رفع طموحه والارتقاء بنفسه حتى يصبح رائدًا في هذا المجال، إلى أن تقوده الأحداث إلى لقاء “ليليث ريتر”، وهي طبيبة نفسية تفوقه في المكر والدهاء. استطاع “غييرمو دل تورو” إحياء الرواية ومعالجتها وتطويرها بكل إبداع من خلال نصّه السينمائي المُحكم، الذي كتبه مع زميلته “كيم مورغان”، وتفوّق على الفيلم القديم بمراحل، تمامًا مثل تجربة إحياء الفيلم الرائع “West Side Story”، مع المخرج “ستيفن سبيلبيرغ”.
الرؤية الإخراجية لـ “غييرمو دل تورو” تأسرني دائمًا بقدرته على مزج الأجواء الفنتازية مع الدراما السوداوية، وأفلامه فعليًّا تبدو وكأنها “كابوس جميل”، وقد أبدع هنا حقًّا. الفيلم متكامل من حيث طريقة السرد وتصميم المَشاهد وزوايا اللقطات، وقد أبدع المصور “دان لاوستن” في ترجمة الرؤية الدلتورويّة إلى متعة بصرية.
المونتاج رائع، وتصميم المواقع أدهشني كثيرًا، وكذلك الأزياء والمكياج والمؤثرات، وكان من المفترض أن يتولّى الموسيقار الفرنسي “أليكساندر ديسبلا” تأليف الموسيقى التصويرية، ولكن لارتباطه بأعمال أخرى تم إسناد المهمة إلى “نيثان جونسون”، وقد كانت موسيقاه جميلة ومنسجمة مع الأحداث، ولو أنني افتقدت موسيقى “أليكساندر ديسبلا” هنا.
“برادلي كوبر” بشخصية “ستان كارلايل” قدّم أفضل أداء له منذ فيلم “Silver Linings Playbook”، فقد تقمّصها بشكل رهيب ومخيف. “كيت بلانشيت” كانت مدهشة بشخصية الطبيبة “ليليث” ريتر”. بقية الممثلين كان أداؤهم رائعًا، وأبرزهم “روني مارا” بشخصية “مولي كاهيل”، و”ويلم ديفو” بشخصية “كليم هوتلي”، و”توني كوليت” بشخصية “زينا”، و”ريتشارد جينكينز” بشخصية “إزرا غريندل”، و”رون بيرلمان” بشخصية “برونو”، و”ديفيد ستراثيرن” بشخصية “بيت”، و”ماري ستينبيرجن” بشخصية السيدة “كيمبل”.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 60 مليون دولار، وقد فشل في شبّاك التذاكر، حيث لم تتجاوز إيراداته 40 مليون دولار، رغم التقييمات الإيجابية من النقّاد والجمهور، ولكن حين عُرِض الفيلم في سينمات العالم كانت جائحة كورونا لا تزال قائمة، والتي أثّرت كثيرًا على إقبال الجمهور لمشاهدة الأفلام في السينما مع إجراءات التباعد والسلامة. ترشح الفيلم لـ 4 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء.