مجتمع
أثارت قضية الشابة السورية ميرا ثابات خلال الأيام الماضية جدلاً واسعاً وانقساماً ملحوظاً في الشارع السوري، بعد انتشار روايات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن وقوعها ضحية “اختطاف وسَبي وزواج قسري” على يد الشاب أحمد في مدينة حمص وسط سوريا، وهي روايات نُفيت لاحقاً بشكل قاطع.
تفاقم المشهد وازداد التضامن الشعبي فور زيارة ميرا وزوجها، برفقة عناصر من الأمن العام، إلى منزل عائلتها وانتشار صور تجمعهم، حيث برّر المتضامنون موقفهم بالقلق والبحث عن الحقيقة، وفي الوقت ذاته، ساهمت هذه المنشورات في تغذية خطاب “سَبي النساء”، ولجأ بعض المؤثرين والفنانين والإعلاميين إلى تحليل لغة الجسد، معتبرين أن الفتاة خائفة ومجبرة، فيما أشار آخرون إلى أن الملابس التي ارتدتها تحمل دلالات مرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
ورغم التفاعل الواسع، لم يُسلّط الضوء بشكل كافٍ على طريقة الزواج نفسها، التي تمّت عبر هروب الفتاة مع الشاب بعد رفض العائلتين لعلاقتهما، بل على العكس، تم التفاعل مع القصة بشكل عاطفي، وأُجريت مقابلات مكثفة مع الزوجين وقُدمت لهما عدة هدايا من أشخاص مختلفين، من بينها جلسة تصوير، وسط غياب النقاش حول الأثر الاجتماعي المحتمل لهذه الحادثة على الجيل الجديد.
وفي هذا التقرير، نناقش الانعكاسات الاجتماعية لهذا التصرف على المجتمع السوري والجيل الحالي، مع التطرّق إلى أسباب التفاعل الواسع مع القصة.
ظهر كل من ميرا وأحمد خلال بث مباشر أجراه الصحفي والباحث عمر منيب إدلبي عبر صفحته في “فيسبوك” بتاريخ 9 من أيار الحالي، وأكّدا أن علاقة حب جمعتهما منذ ما قبل سقوط النظام السابق، وبعد رفض العائلتين ارتباطهما عدّة مرات قرّرا الزواج وفرض “الأمر الواقع” عليهما.
وترى الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة، في حديثها لموقع “سطور”، أن طريقة عرض مواقع التواصل الاجتماعي لقصة ميرا وأحمد، إلى جانب الهدايا المقدّمة لهما، ساهمت في تضخيم القضية وجعلتها أكثر جاذبية وربما خطورة بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً، نظراً لقلة وعيهم في هذا السن، الذي تسيطر عليه مشاعر الحب، ما قد يدفعهم إلى اتخاذ قرارات خاطئة مشابهة لهذه.
وأضافت عطفة أن قصة الزوجين أخذت حجماً وأهمية أكبر من اللازم، وهو ما قد يترك أثراً سلبياً على الأجيال التي تتابع وتتأثر بما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت أنها لا تعارض العلاقة نفسها، لكنها ترى أن عرض القصة بهذا الشكل في هذا الوقت الحساس يُعدّ خطأ.
وفي السياق ذاته، ترى بثينة رحال، مديرة منظمة “اللجنة النسائية” في مدينة هاتاي جنوب تركيا، أن قصة ميرا وأحمد تُشبه أي “ترند” انتشر في سوريا لأيام ثم نُسي، لا سيما في ظل المرحلة الانتقالية التي يتم فيها تسييس كل شيء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت أن طريقة زواجهما لن تكون مصدر إلهام للشباب كي يتصرفوا على نفس النهج، مشيرة إلى أن المجتمع السوري شهد قصصاً مشابهة منذ سنوات بالزواج من طوائف مختلفة، وهي ليست جديدة عليه، وستنتهي كما انتهت غيرها من “الترندات” لتبدأ قصة جديدة تشغل الرأي العام.
تُعدّ مثل هذه القصص من المواضيع المتكررة في المجتمع السوري، إذ شهدت البلاد خلال السنوات الماضية العديد من حالات هروب شباب وفتيات من طوائف مختلفة بدافع الحب، انتهى بعضها بالزواج وفشل بعضها الآخر، ومع ذلك لم تحظَ تلك القصص بالضجة الإعلامية التي رافقت قضية ميرا.
وتُرجع الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة سبب الانتشار الواسع للقصة إلى ربطها بملف العنف ضد المرأة، حيث اعتُبرت ميرا في البداية ضحية اختطاف وزواج قسري من خاطفها، وزاد من تعقيد الموقف ظهورها بلباس يختلف كلياً عن نمط ملابسها المعتاد، ما أعطى انطباعاً بأنها أُجبرت على هذا المظهر وعزّز الفرضية بأنها معنّفة من جميع النواحي، وهو ما دفع شرائح واسعة من المجتمع السوري إلى التعاطف معها بشدة.
في آب 2022، أصدر رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا، الدكتور زاهر حجو، إحصائية سجلت وقوع 872 حالة عنف ضد المرأة خلال النصف الأول من العام نفسه. ووفقاً لمؤشر “المرأة العالمي للسلام والأمن” لعام 2023، جاءت سوريا في المرتبة 171 من أصل 177 دولة بناءً على معايير الحماية والعدالة والضمانات المتوفرة للنساء.
وتناول المحامي السوري أحمد صوان في كتابه “جرائم بذريعة الشرف” الصادر عام 2022 ظاهرة القتل “غسلاً للعار”، تحت تأثير العادات والتقاليد والدين والقانون، وذكر عشرة أسباب غير مباشرة لهذه الجرائم، من بينها التمييز والنظرة الدونية للمرأة وقلة الوعي وتقصير الأهل والتربية غير المتوازنة، والإشاعات، وأساليب التنشئة التي تمنح الأخ سلطة تأديب أخته، إضافة إلى الوشاية الكاذبة وزواج الفتاة من رجل لا يُرضي إخوتها.
وفي هذا الإطار، حذّرت الباحثة إيفا عطفة من أن فرض الأمر الواقع من خلال اتخاذ قرارات فردية مثل الزواج دون موافقة الأهل قد يؤدي إلى تفكك الأسرة وقطع صلة الرحم، بل وحتى ارتكاب جرائم بدعوى “الشرف”، وأشارت إلى أن الفتاة تبقى الطرف الأكثر تضرراً في مثل هذه الحالات، خصوصاً في مجتمع شرقي ذي طابع ذكوري، إذ يُغفر للشاب في كثير من الأحيان، بينما تُواجه الفتاة بردود فعل قاسية.
وفي حديثها لموقع “سطور”، شدّدت عطفة على أهمية التعامل الواعي مع حالات رفض الأهل، مؤكدة أنه كان بإمكان الشباب الراغبين في الزواج اتباع أساليب أكثر هدوءاً، مثل الاستعانة بأشخاص يُصغي إليهم الآباء، أو منح الأهل وقتاً كافياً لتجاوز الرفض، أو فتح حوار ناضج وهادئ معهم بدلاً من التسرع والدخول في صدامات قد تفضي إلى نتائج كارثية.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن وعي الطرفين واحترام دور الأهل يبقى شرطاً أساسياً لنجاح أي علاقة واستمرارها في المجتمع.