سياسة

الترسانة المصرية (٣).. سماسرة السلاح!

مايو 16, 2025

الترسانة المصرية (٣).. سماسرة السلاح!

في خطاب ألقاه  في ٢٠ يونيو ٢٠٢٠،  قال عبد الفتاح السيسي في المنطقة العسكرية الغربية ”اللي يتحدث بقوة السلاح لا هيعدي شرق ولا هيعدي غرب“. قبلها خطابٌ آخرُ في ٢٦ أبريل ٢٠٢٠  بمناسبة ذكرى تحرير سيناء، صرح السيسي بأن “الهدف الأسمى للدولة هو الحفاظ على بقائها، وأن تعظيم القدرات الشاملة للدولة هو أولوية لديها”. قبلها في ١٣ أكتوبر  ٢٠١٩ صرح بوجه جدي واثق ” لا يستطيع أحد التدخل في مصر بسبب قدرة الجيش المصري“. رصدْتُ المرات الثلاث بلا أدنى مجهود على محركات البحث بثلاث كلمات لأختبر شيئا محددا (الكثافة) : “السيسي“ ”الجيش“ ”السلاح“. 

ما حسبته فعلا وجدته، مئات المقاطع المصورة في مئات المناسبات في سنوات قلائل؛ في سنوات صفقات السلاح الفائق (٢٠٢٠-٢٠٢٥) ما بعد القبول الغربي (٢٠١٤-٢٠٢٠) . في الجزء الثاني من هذا التحقيق نظرنا بشكل منضبط في مفهوم الردع، وتوصلنا إلى أنه بأي حال من الأحوال التهديدات في الفراغ لا تقع ضمن تكتيكات الردع.  على كلٍ ما بحثت عنه بالعين المجردة كان معاملا واحدا: إذا لم يكن الردع، وإذا لم تكن إسرائيل.. فمن المستفيد من تلك الصفقات الضخمة التي عددناها في الجزء الأول؟


في الجزء الثالث من والمتم لهذه السلسلة – الترسانة المصرية أجيب في هذا التحقيق – وإن كنت أعتبره تقريرا شاملا لعدد من التحقيقات لزملاء إضافة إلى جهد استقصائي مفتوح المصادر –  أجيب بهم عن سؤالين: من المستفيد من إتمام هذه الصفقات سرا وعلانية؟ وكيف يعمل سماسرة السلاح إن كانوا من جهة سيادية وهل يمكن  التدليل على ذلك؟


سنوات التعبئة – ناصر

 حتى عبد الناصر في سنوات الحرب والتعبئة الصريحة بين ١٩٥٦-١٩٦٧ لم يتحدث عن الجيش والسلاح بهذه الكثافة؛ نتحدث عن معدل الكثافة في توجيه خطاب الردع الحقيقي وهو أستاذ التكتيك والتوازنات (حرفيا لا مديحا): كلام محدد – جيش على الجبهة فعلا- عدو معرف ويوجه إليه الخطاب، ترسانة – إعلام للتعبئة – قوات مسلحة  – جيش عقائدي –  غير منشغل حد التفرغ للاقتصاد، حتى في وجود المشروع الصناعي والمصانع الحربية. 

سنوات التعمية – السيسي

أما السيسي، ففي هذا الجزء وفي غياب الردع والمردوع، أرصد اليوم فترة ما بعد شراء رضا وتسليم دول إنتاج السلاح الغربية بالصفقات الكبرى (٢٠١٤-٢٠٢٠)، أو قُل حتى ما بعد تعديلات الدستور ٢٠١٩، قبل تفويضٍ وراء آخرَ حتى اتّسقت له مصر واستقامت بلا نصير، اتّسعت الدائرةُ تماما خارج زمام هيئة التسليح بوزارة الدفاع، وحتى خارج المؤسسات جميعا.. فتمكنت المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية بآلية محددة من احتكار واسع لصفقات السلاح الكبرى. اليوم أتقصى عن المستفيدين فعلا من هذه الصفقات – سماسرة السلاح.

عالمان لصفقات السلاح: الرسمي والمشبوه

الصفقات الرسمية للسلاح صفقات لها محددات تلعب السياسةُ فيها وأولوياتُ الدفاع والضغطُ الاستراتيجي دورَ البطولة. الدول المصنعة للسلاح دولٌ ذاتُ ثقلٍ سياسي متفاوت، ويُحسب له حسابٌ في كل خطوة تتخذها الدول المستهلكة. وهي التجارة الأربح في العالم – عدا سنوات إنتاج لقاح كورونا – تتناوب مع الاتجار بالمخدرات على الترتيب الأول والثاني. لهذه الصفقات عرّابون وسماسرة؛ وسطاءُ وشَمشِرجية، ويتربّح منها مسؤولون ورؤساءُ وأمراء وساسةٌ في المدنية الحديثة وهذا ليس سرا. 

في الصفقات غير الرسمية؛ صفقات السوق السوداء والتهريب وتسليح الدول تحت العقوبات، تكون العمولة مختلفة والوسطاء يصبحون سماسرة، والدلالات السياسية تتحول لانحيازات ومعسكرات قد تنقل السماسرة لتوريط دولهم إذا كانوا من ساستها لحرب حقيقية تُحسب على طرف دون الآخر، والحسابات فيها دقيقة جدا. عادة ما يكون الوسيط (علنا) أو السمسار (سرا) حتى وإن كان رئيس دولة ما أو رئيس لجهاز استخباراتي أو مسؤول كبير، على علاقة قوية بقيادة استخباراتية بدولة التصنيع أو حتى بأرباب الأسواق السوداء أو حتى بشبكات لتجارة أخرى مشبوهة. 

أزمة هذا العالم السري أن الباب فيه يُفتح لأمرين: لنا؛ صحفيي تتبع الأموال المشبوهة للتربص وتتبع السلاح الشرعيٍ و غير الشرعي بوسائل معقدة وصحافة البيانات وتسريبات الأوراق الكبرى تماما كما رصدنا الفساد في ويكيليكس، وأوراق بنما وفضيحة ووتر جيت وغيرها، ثانيا يجر المتتَبَّع وراءه شبكةَ فاسدة من المسؤولين في البلدين وتصبح الفضيحة ”بجلاجل“ كما حدث تماما مع السناتور روبرت مينندز وزوجته في قضية تلقي الرشى من رؤوس المخابرات المصرية ومعهم ”وائل حنا“ الذي صنعوا لها بروازا كواجهة فأكسبوه احتكارا منفردا لتوريد اللحوم من الخارج إلى مصر فالتُقطوا وحُبسوا جميعا بتهم الرشى والتجسس بفضيحة مشينة للسلطة الحالية. عنها كتبت قبل عامين تقريبا .


لماذا يبرم السيسي الصفقات بنفسه أصلا؟

الفقرة الثانية من المادة ١٠٨ في دستور دولة مبارك كان تلزم الرئيس عرض القرارات في عقود التسليح على البرلمان. مجلس الشعب آنذاك تنازَلَ عن حقه الدستوري و ”فوّض“ مبارك في عقد وإبرام صفقات السلاح بحجة شمول هذا الأمر ضمنيا في واجباته في نص الدستور. لم يكن ذلك إلا تفريطا في حق ناخبي المجلس برمته. إذ إن الدستور يمنع قطعيا تخويل رأس السلطة التنفيذية (دون رقابة) اتخاذ مثل هذه القرارات الحساسة منفردا! ولم يكتفوا بذلك؛ بل تجدد هذا التفويض مدى الحياة لمبارك! (كانت المادة لا تتضمن شراء السلاح في دستور ١٩٧١ ؛ غُيرت على استحياء طفيفا في الدستور المعدل في ٢٠٠٧، ثم غيرت تماما واستبدلت المادة رقم ١٠٨ بأخرى في دستور سنة ٢٠١٢ وكذلك الحال أخيرا في دستور ٢٠١٤)، فلم يعد هناك نص صريح في قرارات التسليح وتركت هيئة التسليح في وزارة الدفاع هكذا بلا سلطة مفهومة ولا مرؤوس مُسمّى! بينما انفردت المخابرات العسكرية وطبعا عبد الفتاح السيسي صاحب القرار الوحيد في صفقات السلاح لمصر لأكثر من عشر سنوات عجاف.

أما السيد عبد الفتاح السيسي نفسه، فقد تجاهل البرلمان أصلا، لم يلق بالا حتى بضبط واجهةٍ أو تخريجةٍ للموقف. اعتبرها أو هكذا أقنعوا أنفسهم في مجلس النواب أن صفقات التسليح ”جزء من الأمن القومي السري بداهةً“ لأننا نحارب الأشرار كما تعلمون! 

في عهد مبارك و كبار المؤسسة العسكرية، أفضت هذه الثغرة إلى عمولات هائلة، إذ  تقول مصادر إن مبارك أصبح الوسيط لشركات سلاح مهولة بينها United Defence، Northrop، Lockheed Martin، ِApache وغيرها، وهو ما انتفضت الحملة الأمنية بشأنه فاضحين من سبقهم بالقول إنه ”مصر“ اشترت هذه المنظومات قبل حقبة السيسي أصلا.“ هنا فقط تأكدت أن المخابرات العسكرية تألمت من التحقيق الصحفي. 

بحثت عن أوراق الاستخبارات العسكرية الأمريكية CIA التي أفرج عنها وقرأت ما فزعت له حقيقة! الأوراق السرية آنذاك عنونت بالحرف لدور العسكرية المصرية ”دورها ومهمتها“ تحت مبارك؛ أفرج عنها في ٢٠١٣ وتتحدث حرفيا في الأجزاء غير المحجوبة عن صفقات السلاح من الولايات المتحدة ودول أخرى في سبيل أداء مهام محددة في الإقليم.


من يستفيد إذن من شراء كل هذا السلاح؟

في دراسته الوافية تفكيك جمهورية الضباط ، المنشورة بتاريخ ٢١ فبراير ٢٠٢٢ نص الدكتور يزيد صايغ؛  الباحث الأكاديمي الأبرز على الإطلاق في تشريح الاقتصاد العسكري المصري وعلاقة المؤسسة العسكرية المصرية بالاقتصادين العام والخاص: 

”ناشد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا القطاع الخاص المصري بالدخول في شراكات مع هيئات الدولة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية والإنمائية الطموحة وتنفيذها. لكن هذه المناشدة تحوّلت مؤخرًا إلى توسّلٍ صريح. فقد قال السيسي في كلمة ألقاها في 22 كانون الأول/ديسمبر 2021: “أقولها للمرة الخامسة والسادسة، نحتاج إليكم ونريدكم أن تعملوا معنا”. يكمن خلف شعوره بإلحاح الوضع إدراكٌ متزايد بأنه يترتب على إدارته تقليل اعتمادها على الاستدانة – الداخلية والخارجية على السواء – لتمويل مشروعاتها الضخمة في مجالَي البنية التحتية والإسكان، على الرغم من التطمينات الرسمية خلافًا لذلك. ويحدث ذلك حتى وهو يواصل سعيه إلى استحصال “شهادات ثقة” من الدائنين التقليديين، أي حلفائه الأقرب في الخليج وتحديدًا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وصندوق النقد الدولي، ما يمهّد الطريق أمامه للحصول على مزيدٍ من القروض الدولية.“

أتفق مع د. صايغ في أن محاولات إعادة الهيكلة والتعثر في خدمة الدين أثبتا فشلا مريعا في أداء هذه السلطة الاقتصادي؛ ليس فقط خلال العشرية الفائتة وإنما لسنوات طويلة قبل ذلك. لكنني بالعودة لخطِّي الرئيسي كنت أستدل بتقديم الدكتور صايغ لأضع القراء في لب فرضيتين أحقق فيهما على جل اختلاف مرجعية كل منهما؛ اعتبروه قراءة نقدية لكل منهما. 

أنظروا إلى هاتين الفقرتين جيدا من فضلكم:


الأولى (صيغة تحريرية للإسلام السياسي)

 ”أولا، الأمر يتعلق بالعمولات والسمسرة ؛ فشراء المزيد من السلاح، معناه دخول مليارات الدولارات من عمولات الصفقات في جيب السيسي وكبار قادته العسكريين، وهذا أحد أسباب رفض السيسي إعلان ذمته المالية علانية، والاكتفاء بتقديمها سرية إلى قضاة الانقلاب (كإجراء شكلي) في لجنة الانتخابات الذين رفضوا بدورهم إعلانها وكأنها سر حربي. ووفقًا للقانون المصري لا يوجد شيء اسمه “عمولات رسمية”، ولكن هذه الأمور سرية ومعروفة في الأوساط الاقتصادية وأسواق السلاح في العالم كله.“

والثانية (صيغة تحريرية مصرية لموقع أغلق بعد نشرهم ما يلي  )

” في الفترة ما بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٦ تربحت جهة سيادية حوالي ١.٦ مليار دولار ”سمسرة“ عملو من صفقات السلاح الرسمية المعلنة وكانت تربو على ١٧.٥ مليار دولار.“ الفارق بين ”الوسيط“ والسمسار“ هو الدرجة العليا في حال الأول والأدنى في حالة الثاني. في شبكات بيع الأسلحة خارج صفقات السلاح الرسمية، وهي الصفقات“

سنتتبع ما إذا كانت هناك صفقات بالفعل لعبت جهات سيادية مصرية دور الوسيط فيها، أو استفادت منها الجهات سيادية استفادة لم تكن من أجل تطوير ورفع جاهزية الجيش دون غرض. وإذا تكرر النمط نثبت بالقرائن الراقية كدليل على تكرار النمط بشكل منهجي، ما يتواءم مع صحة ما جاء في التحقيقين أعلاه ولحضراتكم الاقتناع من عدمه.


مصر ليست رسميا في حالة تعبئة عامة، أو على الأقل لم تعلن السلطة الحالية ذلك رسميا، بل وسَجَنتْ بعضا ممن حذروا من تداعيات تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، و الذين طلبوا إعلان التعبئة في ملف السد الإثيوبي، أو العشائر التي تطالب بعودتهم إلى ديارهم في مثلث ”العريش – رفح – الشيخ زويد).  كل ذلك له دلالات قد يكون من بينها أن الترسانة الباهرة إما : ١) للتفاخر وتبرير إساءة الإدارة في كل ملفات الحقوق وخدمة المواطنين. ٢) تبرير إنفاق المال العام على مشروعات غير ذات جدوى ومكلفة دون عائد، ومعظمها خاصة الاستراتيجي منها أخفقت. ٣) التأكيد في كل المناسبات على أن المؤسسة العسكرية آمنة بعد تحويلها إلى لاعب اقتصادي له الأولوية والسطوة بصك رئاسة السلطة في مصر.


”موقع ”الشارع السياسي“ Political Street ” قدم رؤية موضوعية جدا عن سماسرة السلاح كُتب في “السبت الثالث من نوفمبر ٢٠١٨، مقاتلة مصرية روسية الصنع Mig-29 سقطت أثناء طلعة تدريبية. صحيفة Kommersant الروسية في طيات الخبر عددت المقاتلات في تلك الصفقة ” ب ٤٦ مقاتلة. وقع عبد الفتاح السيسي عقدا ثانيا في مايو ٢٠١٥ مع شركة Ros Oborona Export للحصول على ٤٦ مقاتلة من طراز  MIG 29M  ب ٣.٥ مليار دولار، بمروحيات عمودية  MI35 بطاريات صواريخ أرض-جو وتمت صناعة أولى دفاعات الطائرات من طراز MIG 29-M في ٢٠١٧ وسلمت لهيئة التسليح في العام ذاته.“

”في حوار صحفي، قال رجل الأعمال “حسين سالم”، إن نظام العمولات الرسمية موجود، ودلل على هذا بأنها (العمولات) ستجعل من رئيس مصر القادم بعد مبارك “رجل أعمال خلال 3 أشهر”؛ ولعل هذا ما يفسر أسباب عدم عقد صفقات في عهد الرئيس مرسي حتى لا يفضح أمر العسكر وحجم العمولات والسمسرة من جيوب الشعب الفقير لذلك لم يصبروا عليه إلا عاما واحدا فقط.“ نفس الجريدة.


”وبحسب تقديرات متعددة لPolitical Street و موقع إنسان للدراسات الإعلامية  فإن السيسي بحصوله على عمولة قدرها “05%” فإذا كان حجم الصفقات “6”مليارات دولار ” فإن السيسي حصل على “300 مليون دولار ما يساوي ” حوالي 6 مليارات جنيه، إما إذا كانت قيمة الصفقات حوالي 20 مليار دولار  فإن السيسي حصل على “مليار دولار ما يساوي 18 مليار جنيه مصر من  حجم السمسرة والعمولات!  وتعد ميزانية الجيش في مصر مسألة سرية، وتختلف تقديرات المراقبين لها، حيث قدرتها منظمة الشفافية الدولية بـ 4.4 مليار دولار سنويًا، في حين قدرتها شركة الأبحاث المتخصصة بي. إم. آي BMI بـ 5.1 مليار دولار في العام 2015، متوقعة أن تصل إلى 5.4 مليار دولار نهاية 2016، وأن تقفز إلى 6.5 مليار دولار عام 2020.“ ”السبب الثاني أن هذه الصفقات تمثل صورة من صور الرشاوى للحكومات وقد وثقنا بعضا من تلك الصفقات في تحقيق ماكرون وإغداق الاتحاد الأوروبي بمساعدات جديدة،


صفقات السلاح السرية

سبق ومكنت حضراتكم من صفحات الشركة الرسمية Dassault نفسها التي تتباهى بكون مصر تمتلك من سلاحها (طائرات الرافال) ما يرتبها                                                                الثانية بعد فرنسا ذاتها. ولا أظن هذا أسعد الأنباء عند السلطة الحالية أليس كذلك؟ 

مهلا، هناك صفقات سرية أيضا:

لتؤمن فرنسا مبيعاتها للنظام المصري، رفعت الدبلوماسيين من خطوط الاتصال الأولى، ووضعتهم في الخلفية للإيحاء بأن الصفقة غير مشبوهة.  تحقيق فرنسي رائع ل DISCLOSE.  مدير هذه الاستراتيجية كان الوزير جون-إيف لودوريان Jean-Yves Le Darien ورتبٌ عليا في القوات المسلحة الفرنسية. 

على ضفاف قناة السويس ٢٦ أغسطس ٢٠١٥، كان الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولوند FranÇois Hollande وعبد الفتاح السيسي بعد وصوله للحكم ٢٠١٣ يتباهيان بأن فرنسا كانت “أقرب” الحلفاء الذين ”تفهموا“ ما فعله للوصول للحكم وساندوه من اللحظة الأولى كشركاء. 

وثائقُ سرية نشرتها DISCLOSE كاملة ونوهت عنها آنفا، أكدت أن ”دبلوماسية السلاح“ كانت أساس هذه الشراكة والاعتراف الفرنسي بعبد الفتاح السيسي و“شرعيته“ وهو ماقاله خَلَفَ أولاند إيمانويل ماكرون Emanuel Macron وذكرتُهُ فعلا سابقا. بل ورفض ماكرون حرفيا ربط الصفقات والعمولات بالسجل المتردي لحقوق الإنسان في مصر. قال ماكرون حرفيا في ٧ ديسمبر ٢٠٢٠ بأنه ” لن يجعل بيع الأسلحة لمصر مشروطا بملف حقوق الإنسان لأنه لا يريد إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة.  


في تحقيق DISCLOSE الذي نشر في ٢٤ نوفمبر ٢٠٢١ إلى أن الاتصالات بين الشركات الفرنسية المصنعة للسلاح ووزارة الدفاع والخارجية بقيادة Jean-Yves Le Drian تبادلت رسائل لفترة مع هذه السلطة تؤكد أن السبيل لعلاقة جيدة مفتاحها إتمام صفقات ضخمة لشراء أسلحة من فرنسا. صور المخاطبات جميعها في هذا الرابط. ما دللنا عليه سابقا في الجزئين الأول والثاني هو الطفرة المرعبة في شراء الأسلحة الفرنسية إبان هذه الفترة، وتغول اللجان الإلكترونية على التحقيق باعتبار إعادة تأسيس الجيش المصري وتحديثه وتقويته لردع إسرائيل هو ضرورة حتمية ومن لا يراها فهو بالتأكيد خائن. 

هذه الوثائق تثبت لما لا يدع مجالا للشك أن ابتزازا ورغبة محمومة للبقاء وتثبيت كرسي الرئاسة تمت وتت بمليارات اليورو والدولارات. والأمر لم يكن فرنسا فقط.


  • ليبيا
  • في عام ٢٠١٩ كُشف عن تلقي قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر في الحرب الدائرة بينه وبين قوات ليبيا المعترف بها في الغرب برئاسة فايز السراج عددا من المدرعات المصرية وصفقات سلاح أخرى. شعبة الإعلام الحربي لحفتر في ٢٠١٩ نشرت مقطعا مصورا على فيسبوك تشير إلى ما سمته ”حشودا عسكرية لما سمته العمليات الخاصة في اللواء ١٠٦ مجحفل“ ورفقته بوسم ”لبيك طرابلس“( إنسان – مصادر رشا قنديل في ليبيا.)
  • تصريحات السراج ل TRT الروسية ٢٠١٩ اتهام لمصر بدعم خليفة حفتر بالسلاح على الرغم من الخطاب الرسمي..

صفقات “السمسرة السرية“

  • صفقة روسيا 
  • في ١١ أبريل عام ٢٠٢٣ نشرت CNN الأمريكية رفض السلطة في مصر صحة تسريبات ترجح أن المؤسسة العسكرية أنتجت أسلحة تتخطى ٤٠ ألف صاروخ لروسيا إبان الحرب التي مازالت رحاها تدور في أوكرانيا. كانت واشنطن بوست قد أصدرت تقريرا بعد وثيقة استخبارتية أمريكية مررت لها عن ” جملة أذيعت على إحدى القنوات التي تروج للنظام“ ادعت أمام المشاهدين المصريين أن السيسي أعطي الأوامر للمؤسسة العسكرية ألا تتوقف عن شحن الأسلحة لروسيا ولكن ”سرا“ كما جاء في قناة البروباجندا حتى لا نقع في مشاكل مع الغرب!“. وصلت الحلقة لواشنطن ربة النعم.
  • معهد واشنطن للدراسات ذهب إلى استقراء الكلفة الاستراتيجية التي قد تتكبدها مصر في محاولتها اللعب على كل المحاور في التوقيت الخاطيء. 

  • صفقة كوريا الشمالية 

لست أدري كيف لم ينتبه الرأي العام في مصر كما ينبغي لتحقيق واشنطن بوست في ٢٦ أكتوبر ٢٠١٩ الذي عرض لوثائق حكومية مصرية عن تحقيق بدأته واشنطن بوست في الأول من أكتوبر ٢٠١٧ عن رسالة سرية مررت من واشنطن إلى القاهرة تحذر من سفينة شحن مريبة في طريقها إلى قناة السويس، تحمل اسم Jie Shun تحمل أعلاما بألوان علم كمبوديا لكنها قادمة من كوريا الشمالية، وأضاف التحذير أنها تحمل معدات أو أسلحة ثقيلة. 

بعدها بساعات نشرت واشنطن بوست عن سفينة شحن أوقفت في قناة السويس تحمل أسلحة لكوريا الشمالية تحت العقوبات وقالت إن وثائق حصلت عليها واشنطن بوست مفادها أن مسؤولين رفيعين في مصر كانوا ضالعين في تلك الصفقة في مقابل عمولة. في ٢٠١٩ ثبت أن مسؤولين في القاهرة حاولوا التستر على اتفاق أسلحة مع كوريا الشمالية تحت العقوبات على الأخيرة. بعيدا عن المساطر الأخلاقية، وما إذا كانت أنظمة شمولية تحاول كسر الإمبريالية الأمريكية؛ ما يهمني هنا هو المستندات التي فرزتها واشنطن بوست منذ ٢٠١٧ وأشارت إلى أن المسؤولين في القاهرة حاولوا بتوتر شديد إصلاح الضرر الذي كشفته الاستخبارات الأمريكية عن برنامج تتورط فيه بعض الجهات السيادية في مصر، يمرر أسلحة تحت العقوبات لكوريا الشمالية. 

بل زاد على ذلك تسجيلات قالت واشنطن بوست إنها على ما تبدو اعترافٌ واضحٌ بدور للمؤسسة العسكرية في شراء ٣٠ ألف قذيفة صاروخية كانت في طريقها في سفينة شحن عام ٢٠١٦ لكوريا الشمالية، وأنها عبرت قناة السويس المصرية فيما وصفه تقرير للأمم المتحدة بأنه ”أكبر إيقاف للذخيرة والقذائف في تاريخ العقوبات على كوريا الشمالية“، كما قدرت حجم الصفقة التي لم تتوقف كوريا الشمالية عن طلب ثمنها من القاهرة ٢٣ مليون دولار، وفقا للوثائق التي بحوزة واشنطن بوست. 

المثير كان آنذاك، ورغم المحاولات المستميتة من القاهرة للتعمية على الأمور أن مواقع مهمة أخرى مثل Business Insider لتعقب الصفقات التجارية السرية وما إلى ذلك من صفقات السلاح السرية من هذا النوع طرحت فرضية أكثر غرابة؛ إذ أثبتت أن كوريا الشمالية هرّبت أسلحة (٣٠ ألف قاذفة صواريخ )عبر مصر مقابل عمولة خرافية

مواقع لقياس الهزات الارتدادية لتحركات البورصة العالمية QUARTZ أثبتت أن جهات سيادية مصرية”أعطت الأمر“ أو ”طلبت شراء“ الشحنة تحت العقوبات بينما كانت مصر عضوا غير دائم في مجلس الأمنّ. المقال وقد نشر في ٢٦ أكتوبر ٢٠١٩ يعود به Steven Mollman إلى أكتوبر ٢٠١٥، ليذكر بضجة كبرى أحدثتها السلطة المصرية في مجلس الأمن للحصول على مقعد غير دائم لعامي ٢٠١٦-٢٠١٧، وأشار بعجرفة بيضاء إلى أن السيسي حاز في تلك الفترة المقعد غير الدائم إلى جانب الدول الخمس دائمة العضوية، إلا أنه أشار بنفس العجرفة إلى أن الأعضاء الخمس الدائمين صوتوا بعقوبات أقسى ضد كوريا الشمالية لكونها تجري مزيدا من الاختبارات لقنابل وأسلحة نووية في حيازتها. ثم أشار إلى تحقيق واشنطن بوست المنشور سلفا، لكن الأخطر الذي لفتني هو إشارته في نهاية تقريره الاعتيادي لهذه النوعية من المقالات القصيرة إلى أن ما وصفه بهذا النوع من العلاقات (كوريا الشمالية ومصر) عادة ما يرتبط بشكل تلقائي ب“التنظيمات الإرهابية“ والدول التي ترعى مثل هذه التنظيمات من وجهة نظره – وجميعها طبعا تحت العقوبات آنذاك – سورية – إيران – وكوبا.

ترشيحات للقراءة النقدية والاسترشاد

من المفيد أن أرشح أكاديميين اثنين عملا على ملف انخراط المؤسسة العسكرية في القطاع الاقتصادي في الدولة المصرية. الأكاديمي يزيد صايغ والرئيسة السابقة لبرنامج الشرق الأوسط لمؤسسة كارنيجي للسلام مارينا أوتاوا، في المقابل وكي أكون منصفة، تصدر دوريات موضوعية جدا ومنضبطة تحريريا أيضا أكاديمية وعلى مستوى، تختلف جذريا عن منطلقات أكاديميي كارنيجي، بدءا من التقرير الاستراتيجي العربي الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وكذلك عن المرصد المصري ، لا سيما وحدة التسليح

خلاصة

إسرائيل حليف لهذه السلطة ليست عدوة قولا واحدا.

وهذا ما أجبت به عن سؤال الجزء الأول ”الترسانة المصرية: لمن تشتري مصر كل هذا السلاح؟“ وشددوا على استخدامي للمفردات دائما. أنا لا أستخف بالكلمات. سألت ”لمن“ لم أسأل لماذا؟ من ثم كتبت مقالي الثاني عن ”الردع“ بناءا على حجم الترسانة الرهيب في الجزء الأول، كما أجبت أمام الأستاذ حافظ المرازي في حصاده الأسبوعي في حوار عن هذه السلسلة بالذات ”لمن تشتري مصر كل هذا السلاح؟“ وعليه فالمستفيدون هم السماسرة؛ أيا من كانوا، وطبعا: تجار السلاح.

شارك

مقالات ذات صلة