سياسة

تقرير دوري (03): قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا

مايو 15, 2025

تقرير دوري (03): قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا

تشهد سوريا تحوُّلاتٍ متشابكة تلامس كافة مناحي الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد والأمن، في مشهدٍ يعكس محاولاتٍ جادّة لطي صفحة الحرب التي دامت عقدًا من الزمن. فبعد قرار تاريخي برفع العقوبات الأمريكية – تزامنًا مع زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج في مايو 2025 – ظهر لدى السوريين بصيص أمل بتحسين الوضع الاقتصادي عبر استقطاب الاستثمارات وإطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى، لكن هذا الأمل يصطدم بتعقيدات الملف الأمني الداخلي، وانقسامات مجتمعية عميقة، وتدخلات خارجية تُعيد إنتاج أزمات الماضي بأشكال جديدة. وبينما تحاول النخبة الحاكمة إثبات جدارتها في قيادة مرحلة انتقالية هشّة، تُوازن فيها بين مطالب الداخل المُنهك وضغوط الخارج الطامح، هل تكون سوريا قادرةً على تحويل “انفراجة العقوبات” إلى فرصة حقيقية للبناء، أم أن شبح الماضي سيظلُّ يطارد مسار تعافيها؟



الوضع السياسي: انفتاح أمريكي – أوروبي وانفراجة في ملف العقوبات


  • حملت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج في مايو 2025 بُعدًا استراتيجيًّا هامًّا لسوريا، التي تعيش تحدياتٍ جيوسياسية واقتصادية مُعقَّدة، حيث أعلن الرئيس الأميركي – خلال محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض – عن رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق، مُشيرًا إلى أنها “أدت دورًا” لكن الوقت حان لتجاوزها. وفي إطار الوساطة السعودية الفاعلة لإذابة الجليد بين البلدين، جرى ترتيب لقاءٍ هام جمع ترامب بنظيره السوري أحمد الشرع – لأول مرة منذ لقاء حافظ الأسد مع بيل كلينتون عام 2000 – بحضور ولي العهد السعودي، ومشاركة الرئيس التركي أردوغان عبر الفيديو.

  • اللقاء “التاريخي”، كما وصفه السوريون في العاصمة السعودية الرياض، فتح الباب لمرحلة انفتاح دولي على سوريا بعد سنوات من العزلة. وتطرّق اللقاء إلى تعزيز التعاون الأمني لمحاربة الإرهاب وملف الأسلحة الكيميائية، فيما دعا الشرع الشركات الأمريكية للمشاركة في إعادة الإعمار. ورغم التفاؤل بتصاعد مؤشرات التعافي، تبقى استدامة هذه التحوُّلات مرهونةً بتحقيق جملة من المطالب الأمريكية (كمنع عودة تنظيم “الدولة”، ومكافحة الإرهاب، والتشجيع على الانضمام لاتفاقات التطبيع مع تل أبيب)، التي يمكن وصفها بحقول الألغام التي تتطلب من الإدارة الجديدة في دمشق التعامل معها. كما أن غياب أي جدول زمني وتفاصيل إضافية حول آلية رفع العقوبات يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول الخطوات المرتقبة في هذا الشأن.


  • يُتوقع أن يُحدث رفع العقوبات الأمريكية – حال دخوله حيز التنفيذ – تحوُّلًا نوعيًّا في الواقع السوري خلال ستة أشهر، بدءًا بتمكين الدول الداعمة – وعلى رأسها قطر والسعودية – من تعزيز مساعداتها للإدارة السورية الجديدة، إلى جانب انخراط تركيا في دعم وزارتي الدفاع والداخلية عبر برامج تدريب وتأهيل لقوات الأمن والجيش. وعلى الصعيد الاقتصادي، ستزول العوائق أمام تدفق المساعدات وانضمام سوريا مجددًا إلى منظومة “سويفت” المصرفية، ما سيفتح الباب لاستقطاب استثمارات ضخمة في إعادة إعمار البنى التحتية المُدمرة، وضخ أموال في قطاعات حيوية. ولا يقتصر إنعاش الاقتصاد السوري على عودة الاستثمارات أو فتح الأسواق، بل يرتبط بتحوُّلات مجتمعية جوهرية تبدأ بتوفير فرص العمل واستعادة الكفاءات المهاجرة، ما يُقلِّل الاعتماد على المساعدات، ويُعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، وركيزةً لسلامٍ اجتماعي طويل الأمد؛ هذه التحوُّلات قد تُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية، عبر تحويل سوريا إلى واجهة استثمارية جاذبة في قلب الشرق الأوسط، تُحفّز ثقة المستثمرين الدوليين، ما يُرسي أساسًا متينًا لمرحلة ما بعد الثورة. 


  • من ناحية أُخرى، حملت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا أهمية كبيرة، ليس فقط من كونها أول زيارة له إلى عاصمة أوروبية، بل لأنها تفتح باب أوروبا أمام التحول السوري الجديد، خاصة أن فرنسا تحظى بثقل كبير بين دول أوروبا وداخل منظومة الاتحاد الأوروبي. ففرنسا، التي بات دورها هامشيًا في أزمات منطقة الشرق الأوسط، تريد العودة إلى الانخراط فيها من البوابة السورية واللبنانية، واستئناف نفوذها ودورها عبر سعيها لأن تكون الراعي الدولي الأوروبي لعملية الانتقال في سوريا، وإظهار التزام فرنسا بدعم إعادة “بناء سوريا جديدة”، بعيدًا عن نفوذ النظامين: الروسي والإيراني، مدفوعة بسلسلة القضايا التي تهم فرنسا، وأهمها: استقرار المنطقة، ومكافحة الإرهاب، وضمان “اندماج كامل” للأكراد في العملية السياسية، وعودة اللاجئين السوريين المتواجدين في مختلف البلدان الأوروبية، بالإضافة للمصالح الاقتصادية، وذلك في ظل مرحلة إعادة الإعمار المقبلة عليها. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع عاد من باريس بوعود دعم مشروط، والتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسعي لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا.


  • بالمحصلة، تبدو زيارة الرئيس الشرع إلى فرنسا جزءًا من دينامية أوسع لإعادة تموضع سوريا الجديدة في الساحة الدولية، وعلى الرغم من أن نتائجها ستبقى مرهونة بطبيعة الالتزامات التي يمكن أن تُقدِّمها السلطة السورية للجانب الأوروبي، غير أن التطبيع السوري – الأمريكي ورفع العقوبات سيشكّلان رافعة كبيرة للخطوات الأوروبية المتعلقة بهذا الشأن.


الوضع الاقتصادي: تحوُّلات مرتقبة في الاقتصاد السوري


  • تشهد سوريا مؤشرات متزايدة على تحوُّلات محتملة في مشهدها الاقتصادي، ما قد يُطلق سلسلة تطورات جذرية تعيد رسم خريطة الاستثمار والشراكات الإقليمية والدولية. كما تلوح في الأفق بوادر انفتاح اقتصادي تدريجي بين دمشق والاتحاد الأوروبي على خلفية التحركات الدبلوماسية الأوروبية وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع الأخيرة إلى فرنسا. ومع توفّر البنية الاستراتيجية، تبدو سوريا مؤهلة للعب دور مهم كممر تجاري واستثماري، خصوصًا مع موقعها الجغرافي المتميز.


  • وتأتي خطط إطلاق شركة طيران مدنية جديدة من مطار دمشق الدولي في صدارة هذه التحوُّلات، إلى جانب مفاوضات متقدمة لإبرام شراكة استراتيجية مع شركات عالمية لتطوير بنية تحتية لأحد الموانئ السورية، وتحويله إلى مركز لوجستي مهمٍّ في شبكة التجارة الإقليمية، وهو ما يعيد إحياء الدور التاريخي لسوريا كجسر تجاري حيوي على البحر المتوسط. وفي سياق متصل، تتبلور مشاريع بنية تحتية طموحة تشمل تحديث أوتوستراد دمشق – درعا الدولي، وتأهيل طريق دمشق – الحدود اللبنانية، بهدف ربط الأسواق السورية بمنظومة اقتصادية أوسع. وعلى الصعيد النقدي، شهدت الليرة السورية ارتفاعات غير مسبوقة أمام الدولار في السوق الموازية، بلغت نحو 10% خلال دقائق، كردّ فعلٍ أولي على إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نية رفع العقوبات عن سوريا. ولا تُعتبر هذه الخطوات مجرد إجراءات معزولة، بل جزءًا من رؤية أوسع لدمج سوريا في شبكة اقتصادات المنطقة، عبر استثمار موقعها الجيوستراتيجي وتاريخها كملتقى تجاري.


  • تمثّل المنحة القطرية لدعم رواتب موظفي القطاع العام في سوريا – بقيمة 29 مليون دولار شهريًّا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد – أول دعم مالي خارجي مباشر تتلقاه الحكومة السورية الجديدة، في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تزامنت مع تدهور الخدمات وارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة. ومن المُتوقع أن تُغطي هذه المنحة نحو 20% من إجمالي فاتورة الرواتب، ما قد يُسهم في تحقيق استقرار مالي مؤقت، وتمكين الحكومة من تنفيذ إصلاحات إدارية ملحّة، وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.


  • لا تقتصر أهمية هذه الخطوة على الجانب المالي فحسب، بل تحمل أبعادًا استراتيجيةً تهدف إلى تحفيز الاقتصاد السوري عبر تشجيع دول عربية وإقليمية – مثل السعودية وقطر – على تسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، وفتح الباب لدعمٍ أوسع في ظل التطورات الدولية الأخيرة. ورغم محدودية قيمة المنحة مقارنة بحجم الاحتياجات السورية، إلا أنها تُرسل إشارات معنوية إيجابية حول إمكانية تعزيز التعاون العربي لدعم الشعب السوري.


الواقع الأمني: هيكلية داخلية وفصيل جديد يُعيد تشكيل المشهد “المقاوم”


  • بدأت وزارة الداخلية السورية حزمة تعيينات أمنية جديدة تهدف إلى تعزيز استقرار البلاد وفرض سيادة القانون، في إطار خطة شاملة تُنفذ بإشراف مباشر من الرئاسة. وشملت القرارات تعيين العميد عبد القادر الطحان (المعروف باسم “أبو بلال قدس”) معاونًا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، إلى جانب تعيين المقدم مصطفى كنيفاتي – السابق مديرًا لأمن اللاذقية – قائدًا عامًّا للقوات الخاصة، والمقدم حكيم الديري (المُلقَّب بضياء الدين العمر) مسؤولًا أمنيًّا في اللاذقية، بعد أن تولى إدارة أمن دير الزور. وقد جاءت هذه التغييرات بالتزامن مع كشف مصادر أمنية لصحيفة “الشرق الأوسط” عن إعداد خطط متكاملة – عبر تنسيق غير مسبوق بين وزارات الدفاع والداخلية والعدل والخارجية – تركز على ضبط الأمن، واستعادة الثقة المجتمعية، ومكافحة الفوضى، وتسريع ملف العدالة الانتقالية.


  • تُعكس هذه الخطوات تحوُّلًا استراتيجيًّا في النهج الأمني السوري، يجمع بين الإصلاح الداخلي للقطاع الأمني، وتعزيز التعاون المؤسساتي، وتجسير العلاقة مع المجتمع الدولي، في مسارٍ يهدف إلى إرساء بيئة آمنة تدعم مرحلة ما بعد النزاع.


  • جذبت جماعة “أولي البأس” السورية، التي أُعلن عن تشكيلها في يناير 2025، اهتمامًا كبيرًا، بعد أن كشفت الجماعة عن قياداتها المركزية لأول مرة، لتزيل الغموض حول وجودها. وقد أثار الكشف تساؤلات حول طبيعة الجماعة التي تبنَّت عمليات ضد الجيش الإسرائيلي في درعا والقنيطرة، وفق تقارير إعلامية، بينما نفى مدنيون وعسكريون في درعا دورها، مؤكدين أن الاشتباكات كانت ردود فعل شعبية.

  • وتتشابه شعارات الجماعة “المحلية” مع شعارات “حزب الله”، ما أثار شكوكًا حول صلات إيرانية محتملة، خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني بعد سقوط نظام الأسد، حيث أكد القائد العام “أبو جهاد رضا” (رضا حسين) – ضابط سابق في الجيش السوري – في تسجيل صوتي نادر، التزام الجماعة بمقاومة الاحتلال ورفض التقسيم.


  • وبحسب التسجيل الصوتي، فقد عقدت الجماعة مؤتمرًا سريًا في دمشق بمشاركة 200 شخص، أعلنت خلاله تشكيل “المجلس العسكري الموحد” مع فصائل مثل “درع الساحل” و”سرايا العرين”، بهدف بدء “تصعيد ثوري منظم” ضد “الاحتلالات”. وترفض “أولي البأس” حكومة الشرع (التي تسميها “حكومة أمر واقع”)، وتتهمه بالسعي لـ”وراثة الاستبداد”، بينما تؤكد استعدادها للتحالف مع كل من يرفض الاحتلال، في مسعى لإعادة رسم مشهد “المقاومة” في سوريا.


شمال شرق سوريا: تأثيرات حل حزب العمال الكردستاني على قسد


  • أعلن حزب العمال الكردستاني حلَّ نفسه وإنهاء العمل المسلح بعد 40 عامًا، خلال مؤتمره الثاني عشر، مُعلنًا انتقال المهام إلى الأحزاب الكردية لبناء “أمة ديمقراطية”. وفي سوريا، كشفت مصادر عدة – لشبكة الجزيرة القطرية – عن إعادة هيكلة قيادية في “قسد” بقيادة مظلوم عبدي، وخروج معظم المقاتلين الأجانب من سوريا، وسط مفاوضات لتوحيد “الأسايش” مع الأمن السوري، واستعدادات لدمج مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة “قسد”، رغم تعثُّر ملف النفط بفعل الخلافات مع دمشق والوجود الأمريكي.


  • يُراهن القادة الكرد على وعود دولية بدمجهم في الحل السياسي، بينما تبقى تحديات الاندماج في الجيش السوري مرهونةً بالمتغيرات التركية والدولية. وبحسب خبراء، فقد تشمل التأثيرات المحتملة لحل حزب العمال الكردستاني على الملف السوري تغيرات مباشرة:

  • (1) كتخفيف الضغوط التركية على “قسد” وتهدئة الأجواء المتوترة على الحدود التركية-السورية، مما قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها في الشأن،

  • (2) بالإضافة للتأثير السلبي على موقف “قسد” التفاوضي مع الحكومة السورية.



السويداء: أصواتٌ متناقضة داخل الطائفة الدرزية


  • لا تزال الحياة في المحافظة تسير بحذر وترقب بعد توقيع اتفاق التهدئة في السويداء بين الحكومة السورية ووجهاء الطائفة الدرزية والفصائل المحلية، على خلفية الاشتباكات الأخيرة في صحنايا وجرمانا جنوب دمشق. ويواجه الاتفاق، الذي تضمن تفعيل قوى الأمن الداخلي من أبناء السويداء، وتأمين طريق دمشق–السويداء، ورفع الحصار عن بعض المناطق، تحديات كبيرة على الأرض، منها خروقات أمنية من مجموعات مسلحة لا تزال تنشط في بعض المناطق، إضافة إلى نقص الإمكانيات لدى الشرطة المحلية.


  • وتتعالى داخل الطائفة الدرزية أصواتٌ متناقضة تُجسِّد إشكالية الهُوية والانتماء في ظل الأزمات المتلاحقة. فمن جهة، سجل الشيخ موفق طريف – الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل – موقفًا مفاجئًا عبر دعوته أبناء الطائفة في سوريا للتمسك بهويتهم الوطنية، داعيًا إياهم إلى “الاضطلاع بدورهم الكامل في حماية وحدة الوطن”، معتبرًا أن أي دعم خارجي يجب أن يتم “وفق إرادتهم دون تدخل”. وذلك رغم دعوات سابقة له بالتدخل الإسرائيلي “لحماية الدروز” خلال أزمات سابقة، ما أثار انتقادات واسعة.
    من جهةٍ مُقابلة، يبرز تيارٌ مناصرٌ لحكمت الهجري، الذي يطالب بـ”حماية دولية” للطائفة، واصفًا إسرائيل بأنها “ليست عدوًا”، في تصريحاتٍ ناقضت الموقف الرسمي لمرجعيات أخرى سورية رفضت أي تدخل خارجي. هذا الانقسام الداخلي يتزامن أيضًا مع تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي “جدعون ساعر” عن سعي بلاده لـ”علاقات جيدة” مع دمشق، ما يفتح الباب لتساؤلات حول مدى تأثير تحوُّل الموقف الإسرائيلي، وموقف المرجعية الدرزية خارج سوريا، على موقف الطائفة داخلها.


  • بالمحصلة، لا تزال السويداء ساحة اختبار حقيقية لقدرة الحكومة الانتقالية على التعامل مع التعددية الداخلية، والاحتواء السياسي، وضبط التسلح خارج المؤسسة العسكرية. كما كشفت الأحداث أن الانقسام داخل السويداء لم يعد دينيًا أو سياسيًا فقط، بل تحوَّل إلى تداخل مع قوى، ما يطرح عدة سيناريوهات محتملة لمسار الأحداث: من الاحتواء التدريجي وبناء توافقات محلية مرنة مع القيادات الدينية والاجتماعية المعتدلة، أو التصعيد المتدرج نحو مواجهة داخلية شاملة في حال تعثّر مسار التهدئة بين الحكومة الانتقالية والفصائل المحلية في السويداء، تفضي إلى التدويل التدريجي للملف الدرزي إذا تصاعد التدخل الإسرائيلي.


التدخل الإسرائيلي: دمشق بين التطبيع السياسي والترتيبات الأمنية


  • واصل الجيش الإسرائيلي تعزيز مواقعه داخل الأراضي السورية التي يحتلها منذ خمسة أشهر شرق الجولان، وتحدثت تقارير إعلامية عن محادثات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب في دولة ثالثة، ركزت على ملفات أمنية واستخباراتية وبناء الثقة. الأمر الذي تعززه تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر “الإيجابية” تجاه الحكومة السورية، والتي تُعد تحولًا ملحوظًا في لهجة إسرائيل تجاه الحكومة السورية الجديدة، بعد فترة طويلة من الخطاب الحاد والانتقادات الشديدة التي وجهها ساعر وحكومته إلى دمشق، واتهامهم الإدارة الجديدة بأنها “جماعة إرهابية” استولت على السلطة بالقوة.


  • هذا التغير في الموقف يعكس محاولة إسرائيل التكيف مع الواقع السياسي الجديد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية، ويشير أيضًا إلى أن إسرائيل تحاول تبني سياسة أكثر براغماتية تجاه دمشق، قد تكون مدفوعة برغبة في تقليل التوترات على الحدود الجنوبية، والاستفادة من المرحلة الانتقالية في سوريا، وإبقاء الباب مفتوحًا للحوار والتفاوض، في ظل تزايد الإشارات التي توحي بإمكانية استعداد الإدارة السورية الجديدة للتطبيع مع إسرائيل، في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية.


  • يرى مراقبون أن سوريا قد تُضطر إلى تبنّي انفتاحٍ محدود تجاه إسرائيل، رغم العراقيل الداخلية التي تعيق أي تحوُّل سياسي جذري. فالتطبيع – وإن بدا خيارًا استراتيجيًّا لبناء الدولة وتحقيق الاستقرار بعيدًا عن الضغوط الخارجية – يُشكِّل عبئًا على الشرعية الشعبية للقيادة السورية. لذا، يظل التطبيع الرسمي مستبعدًا في المدى المنظور، بينما قد تقدم دمشق التزامات أمنية محددة، كتقييد نشاط الفصائل الفلسطينية، وتنسيق غير مباشر لاحتواء النفوذ الإيراني، دون المساس بثوابت السيادة.


  • ومن جهة أخرى، قد لا تتوقف التحرشات العسكرية الإسرائيلية إلا بوصول تركيا – عبر وساطة أمريكية – إلى اتفاقٍ مع إسرائيل يُنظِّم الوجود العسكري التركي في سوريا، ويُعيد رسم ترتيبات أمنية في المناطق الحدودية تتجاوز اتفاقية فض الاشتباك 1974.
شارك

مقالات ذات صلة