مشاركات سوريا

الدراما السورية خلال الثورة: تشويه للوعي الجمعي بحاجة إلى ثورة

مايو 14, 2025

الدراما السورية خلال الثورة: تشويه للوعي الجمعي بحاجة إلى ثورة

سامي محمد



منذ لحظتها الأولى، لم تكن الثورة السورية مجرد انتفاضة سياسية عابرة، بل كانت انقلاباً اجتماعياً وثقافياً يهز أركان النظام الذي رسّخ سلطته لعقود عبر القمع العاري أحياناً، وعبر الأدوات الناعمة والغزو الفكري أحياناً أخرى.



 ومع تصاعد الاحتجاجات في شوارع درعا ودمشق وحمص وحلب، أدرك النظام أن هذه المعركة لن تُدار بقوة السلاح وحدها، بل بالكاميرا والرواية، فتحولت الدراما إلى جبهة قتال موازية تُفرغ الثورة من مضمونها وتعزز سردية النظام.



انقلاب الدراما على نفسها


عرفت الدراما السورية قبل عام 2011 ذروة إبداعية جعلتها في صدارة المشهد العربي، إذ استطاعت أن تقدم أعمالاً إنسانية لامست وجدان المشاهدين، ونبشت في قضايا الحرمان والظلم، مثل التغريبة الفلسطينية التي روت قصة الألم الفلسطيني، ومسلسل غزلان في غابة الذئاب الذي غاص في قضايا الفساد والظلم الاجتماعي، ولا ننسى لوحات بقعة ضوء التي لامست مشاكل المواطنين اليومية.



 غير أن هذا الرصيد تآكل سريعاً مع اندلاع الثورة، وانقلبت الدراما على نفسها لتتحول من مساحة نقد نسبي إلى بوقٍ وسلاح في يد السلطة.



 فظهرت أعمال تجتهد في تصوير الثورة كمنتج إرهابي صرف وتتجاهل الملايين الذين خرجوا إلى الساحات، مثل مسلسلي عناية مشددة وشوق.



 وتراجعت برامج نقد الواقع مثل بقعة ضوء، الذي تحوّل في مواسمه اللاحقة إلى منصة لتسخيف الثورة واختزال صورها ومواقفها – التي صعدت إلى الإعلام – في مشاهد فوضوية مضحكة أو مشبوهة.



 إضافة إلى صعود نوع جديد من المسلسلات مثل كسر عضم، الذي ناقش فساد بعض رجالات السلطة، وبين انعكاس مناكفاتهم على حياة الناس اليومية، وبالطبع أظهر مساعي الدولة المفترضة في كف يد أولئك الفاسدين.



الدراما كأداة لتمييع المجتمع وتفريغ القضايا


إلى جانب تشويه الثورة، ساهمت الدراما أيضاً في تمييع الوعي الشعبي عبر آليتين واضحتين:

١. التسخيف الممنهج للقضايا الوطنية والإنسانية:
 

حيث جرى تحويل المأساة السورية إلى مادة للتهكم والسخرية الرخيصة، وتصوير الناجين كشخصيات كاريكاتورية تُنزع عنهم طهارتهم ومعاني تضحياتهم، وتُظهرهم في حالة من العبثية، كمشهد ضحايا الكيماوي الذي أدّته أمل عرفة في مسلسل كونتاك عام 2019.


٢. ترويج أنماط التفاهة والابتذال:
 في ذروة المعاناة السورية، امتلأت الشاشات بمسلسلات عن قصص الحب والمصالح الشخصية داخل طبقة رجال الأعمال الجدد، متجاهلة الجرائم الكبرى المرتكبة بحق المدنيين.



 وظهرت أعمال أخرى خفيفة، استهلاكية، مليئة بالسطحية والقصص الرومانسية الفارغة، أو النزاعات الاجتماعية المكررة والبعيدة عن الواقع السوري، مما أبعد المُشاهد عن التفكير بالسياسة أو الحقوق، وكرّس في مخيلته فكرة الهروب إلى اللذات.
 وبالتوازي مع ذلك، تم تكثيف البرامج الاجتماعية واللقاءات والحوارات التي تُصدر أولئك الفنانين – أبطال هذه المسلسلات، كباسم ياخور وسلاف فواخرجي – كأصحاب فكر مستنير، وتُصنع منهم قدواتٍ للجيل الناشئ.



 فتجرّد المجتمع من أدواته الروحية التي تدعم المقاومة، وتحول معظم أفراده إلى السعي نحو المصالح الشخصية واللذات.

دراما تحت عين الرقيب: من يتحكم بالنص والصورة؟



لطالما ارتبط الإنتاج الدرامي السوري بمؤسسات الرقابة، لكن مع اندلاع الثورة، أصبح هذا الارتباط أكثر وضوحاً وصرامة؛ من تصاريح التصوير المرتبطة بالموافقات الأمنية، إلى اختيار الممثلين وفق الولاءات السياسية.



 ولم تكتفِ الدولة بتهجير من انحاز للثورة، أمثال الراحلة مي سكاف، بل همّشت حتى أولئك الذين التزموا الحياد، ومنعت الممثلين الذين ظهروا بمشاهد عابرة، أو أدلوا بتصريحات تحمل انتقاداً مخففاً، من الظهور على الشاشة السورية مجدداً، كما حدث مع عابد فهد بعد دوره في مسلسل دقيقة صمت، وأمل عرفة بعد اعتذارها الخجول عن مشهد الكيماوي إثر الانتقادات الكبيرة التي طالتها آنذاك.



اليوم: الحاجة إلى مشروع درامي تحرري


بعد انتصار الثورة أخلاقياً وميدانياً، بتنا بحاجة ماسة إلى مشروع درامي معاكس يعيد الاعتبار إلى القصة الحقيقية؛ فهذا التشويه الممنهج لم يقتصر على السوريين في الداخل السوري، بل أثر في الوعي العربي عموماً تجاه القضية السورية.



 ولتصحيح هذا التشويه، نحتاج مشروعاً يروي الواقع بصدق. نحتاج دراما توثق نُبل الحراك الشعبي، تحكي قصص الأمهات، الأطفال، المعتقلين، المهاجرين، والمغيبين قسرياً، تنتقد الذات بشجاعة لكنها تضع المسؤوليات في نصابها.



خاتمة: الكاميرا أيضاً سلاح تحرر


النظام السوري البائد أدرك أن الصورة قد تقتل السردية، مثلما تقتل الرصاصة الجسد. لهذا، حارب الثورة بالكاميرا كما حاربها بالدبابة.



 اليوم، تقع على عاتق المثقفين والمبدعين السوريين مهمة تحرير الدراما، وإعادة تسخيرها لبناء ذاكرة حرة، صادقة، مُلهمة.
 فالثورة التي أسقطت جدران الخوف، قادرة أيضاً على إسقاط جدران الكذب.

شارك

مقالات ذات صلة