سياسة
قبل أن تستفحل شروط جهات الإقراض، واجهت الحكومة بأن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه الحكومة ليس فقط فاشلا وإنما فاسدا، وأن الاستمرار في سياسة الاقتراض سيفضي إلى إفلاس حتمي لا نجاة من بعده.
في ٢٠٢٠-٢٠٢١ إبان مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة قلت مباشرة إن ما تمسيه الحكومة المصرية إصلاحا للاقتصاد هو إصلاح نقدي وظالم للمواطن، ولا يحل مشاكل اقتصادية لمصر بل يصنع مشكلات جديدة ستطأ ظهر المصريين طويلا.
في ذلك العام بالذات لم يكن هناك إرادة سياسية حقيقية لأي تعديلات جوهرية على الموازنة العامة، وهو ما حاولت الحكومة تصويره في مشروعها المقدم. بل إن المغالطات الشديدة في تقدير المبالغ المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والفلاحين لا مفر من أن تنسب إلى المنتج المحلي الإجمال، وإلا فقدت لب الموازنة وأطلقت يد الحكومة بها دون رقابة.
الاستمرار في الاستدانة وشروط جهات الإقراض وخدمة الدين التي تعسرت بسببها كل موارد الدولة إلا من هامش لا علاقة لهم بالمواطن لا بأفراحه وأتراحه، ترك موازنة الدولة ٢٠١٩/٢٠٢٠ مثلا الإنفاق على خدمة الديون في الموازنة العامة ١٢ ضعفا من الإنفاق على الصحة في الموازنة.
سيدفع ثمن ذلك المواطن وحده، وسيضطر إما للبقاء في منظومة صحية وتعليمية غير قائمة من الأساس، ولن يتمكن بالطبع من اللجوء للقطاع الخاص في هاتين الخدمتين تحديدا. كان يجب على هذه السلطة عدم التخفي وراء مؤسسات الدولة وتحملها مسؤولية الفشل الذي بات مرئيا رؤية العين في كل قطاع وعلى وجه كل مواطن.
منذ فكرنا في حملتنا الرئاسية ومضينا فيها شوطا لم يسمح له بتنظيم النور، ولم نقبل إلا أن نمارس حقنا القانوني والدستوري بتداول السلطة، كنا بالفعل قد قدمنا مشروعا طموحا لبناء نظام مدني ديمقراطي، عبر آلية قانونية ودستورية لها برنامج يقدم حلولا لكل أزمات مصر.
مصر بإدارة رشيدة كانت ويمكن أن تصبح سوقا جاذبة للاستثمارات الحقيقة المستدامة. أتساءل هل لهذه السلطة خريطة استثمارية؟ هل هناك قراءة لعوامل الجذب وطمأنة المستثمرين حاليا؟ هل المستثمر المصري أصلا له ضمانات وحقوق تيسيرية تضمن بقاء استثماراته داخل مصر وأرباحه آمنة فيها؟ هل هناك حساب لهرب رأس المال الوطني من مصر؟ هل يضمن المستثمر المصري أصلا أمانه إذا غضبت عليه هذه السلطة أو لم يكن على هواها؟ الإجابة لا في كل الحالات. التحول الديمقراطي وتداول السلطة بطريق ديمقراطي وسلمي وشرعي، سيفضي حتما إلى إعادة جدولة الديون بفائدة أقل. لا بد أن يرى المانحون أفقا له نهاية لمساعدتهم. هذه السلطة استفادت بأكثر من ١٠٠ مليار دولار من المنح، وقدمت إل سدة الحكم والدين الحكومي كان ٣٤ مليار دولار أوصلته الآن إلى ١٦٥ مليار دولار على الأقل. أضف إلى ذلك دينا غير محدود بضمانات غير حكومية فضلا عن ديون بسبب غياب الرقابة لا يراها البرلمان في الموازنة العامة. لو ربع الدين الداخلي الذي فاق الخمسة تريليونات أعيد توجيهه لمشروعات صناعية وطنية، لانحلت أزمات كثيرة ناهيك عن الاستعاضة عن رفع الدعم عن المواطن بهذا الشكل السافر.
أخيرا أذكركم أن رئيس الجمهورية بدأ عهده بأن جني الثمار الاقتصادية بعد سنتين وسيكتمل مشروعه بعد ثمان سنوات، مر اليوم أكثر من عشرة أعوام، وحتى الحال لم يبق على ما هو عليه. ساء لدرجة يجب معها استبدال السلطة بأخرى مدنية ديمقراطية وإنقاذ مصر من مستقبل خَرِب.
المدخل الشرعي لإدخال أي إصلاح أو تبني أي مقررات لأي حوار هو إخضاعها للنقاش في المجلس التشريعي ليس لدراستها فحسب، وإنما لتحديد آلية الإلزام بها للسلطة التنفيذية ثم آلية أخرى للرقابة والمحاسبة في التهاون أو التقصير في تنفيذها. يتساوى في ذلك الموظف الأقل درجة وظيفية برئيس الجمهورية، فطالما أن موظفا عموميا أوكلت له مهمة ينبغي محاسبته. وهذه ليست بدعة، فقد شكل البرلمان المصري بالفعل مباشرة ١٥يناير ٢٠١٦، بعد أيام من التعديلات الدستورية لجنة سعينا لها لفحص ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وقد كان مرعبا على مؤشرات الفساد. المجلس شكل اللجنة بالفعل لكن القرار لم ينفذ، ولك تُفعّل اللجنة. ثم جرى تعديل قانون الجهاز المركزي للمحاسبات نفسه بما يتيح لرئيس الجمهورية صلاحية إعفاء رئيس الجهاز فقد كان اعتداء سافرا على استقلالية الجهاز الأهم والأكبر للعمل الرقابي.