آراء

أوربان الثاني يعود بثوب هندي: حكومة مودي

مايو 11, 2025

أوربان الثاني يعود بثوب هندي: حكومة مودي

ما يجري اليوم من تصعيد هندي ضد باكستان، ليس مفاجئًا لمن تابع مسار حكومة مودي. سبق أن حذّرتُ من هذا المنزلق الخطير خلال مشاركتي في ندوة فكرية في الكويت، ناقشت فيها بوضوح سياسات مودي الإقصائية، وخطر القومية الهندوسية المتطرفة على السلم الإقليمي، وعلى المسلمين داخل الهند وخارجها. نعم قلتها آنذاك وأكررها اليوم: حكومة مودي لا تسعى فقط للهيمنة الداخلية، بل لتصدير أزمتها نحو الخارج، عبر افتعال صدامات تتغذى على خطاب الكراهية وتبرّر العنف.


وكما مثّلت الحروب الصليبية لكل قارئ في التاريخ  نموذجًا كلاسيكيًا لتغليف الأطماع الاستعمارية بالدين والشعارات الأخلاقية ، نجد اليوم صعود النزعة القومية الهندوسية تحت إدارة ناريندرا مودي، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه بملامح جديدة، ولكن بأدوات إعلامية متقدمة، ونبرة أشد تطرفًا.

وقد كشفت بعض  الأبحاث التاريخية عن الحروب الصليبية أن دوافعها لم تكن يومًا دينية صرفة، بل مزيجًا من الطموحات الاقتصادية، والرغبة في السيطرة، واستغلال الجهل الديني لتعبئة الجماهير ،  فقد استخدم البابا أوربان الثاني آنذاك لغة حماسية للتجييش ضد “الآخر” المسلم، مصورًا الحروب على أنها واجب مقدس يُكفِّر الذنوب ويمنح المجد الأبدي ، و هذه الخطابات – رغم غلافها الروحي – كانت تخفي نزعة “عنصرية” و غير انسانية و غير حضارية  ضد التواجد الإسلامي، مدفوعة برغبة السيطرة على بيت المقدس والمقدرات الاقتصادية للمنطقة.


واليوم، لا يختلف كثيرًا الخطاب الذي تتبناه حكومة مودي في الهند، والذي يعتمد على استثارة مشاعر قومية دينية هندوسية ضد المسلمين الهنود بشكل خاص و ضد الجار المسلم ” باكستان” ، وكأنهم عدو يجب ترويضه أو طرده ، فتقوم بممارسة السياسات الطائفية باسم “استرداد الهند القديمة” ! ، تمامًا كما مارست الحملات الصليبية حروبها باسم “استعادة الأرض المقدسة ” ،  وفي كلتا الحالتين، يدفع الأبرياء المسلمين الثمن تحت شعارات مضللة.


المقلق في تجربة الهند المعاصرة ليس فقط عسكرة الخطاب السياسي، بل تحويل المعتقد إلى أداة قمع ضد الأقليات المسلمة في الهند وحشد الكراهية ضد الجار باكستان  ، فهذا النموذج، المتغطرس في منطقه والدعائي في صورته، يعيد إلى الأذهان قصة الحملة الصليبية الرابعة التي لم تذهب لتحرير القدس، بل لتدمير القسطنطينية المسيحية ذاتها، في مشهد يعكس كيف تلتهم الوحوش أصحابها حين تُطلِق العنان لغرائز الغزو والكراهية.


فما يحدث ما بين الهند وباكستان  يا إخوتي  ليس شأناً إقليمياً بينهم كما تحاول حكومة مودي تصويره ، إنه مشروع عسكري مسلح أيديولوجي عدواني يتغذى على كراهية الآخر، ويُصدِّر خطابه العنصري القذر إلى خارج حدوده ، لجاره المسلم من خلال تحالفات مشبوهة مع قوى يمينية عالمية، وترويج لسردية استعمارية جديدة تقوم على اجتثاث الهويات المخالفة للدولة الهندية الحالية  ، وهذا النموذج من العدوان العسكري على باكستان المسلمة ، إذا تُرك دون مساءلة أو ضغط، فلن يتوقف عند حدود تلك المسألة ، بل قد يُغري آخرين عنصريين  بتكرار التجربة في بلادٍ إسلامية أخرى.


فالعالم العربي، وهو الذي لطالما كان في مرمى الاستعمار والتحقير الثقافي، يجب ألا يقف متفرجًا ، فاستهداف باكستان هو جرس إنذار لنا جميعًا، يُذكّرنا أن الكراهية العالمية ضد الإسلام حين تُشرعن باسم الهوية، و تحمى من قبل القوى العالمية تصبح آلة قتل عنصرية عدوانية . فالسكوت العربي – الرسمي والإعلامي – عن هذا الوضع يضعف موقفنا الأخلاقي والسياسي في الدفاع عن قضايانا الكبرى، وما زلت أعول على الدول العربية ذات التأثير الكبير و على رأسها المملكة العربية السعودية و قطر وتركيا  في ايجاد آلية لإيقاف هذا العدوان التي تمارسه الادارة الهندية ضد باكستان.

فالهند اليوم التي تُحرق تاريخها الحضاري ، وتهدم مساجد ومعابد الأقليات، وتُصمت مثقفيها عن نقدها ، وتوجه عدوانها العسكري على جيرانها ،  ليست الدولة التي راهنت عليها الانظمة العربية سابقًا كقوة صديقة في الجنوب الآسيوي ،  بل باتت نموذجًا خطيرًا لانزلاق الدولة إلى فاشية متوحشة تفتك بالداخل و الآن بالخارج .

شارك

مقالات ذات صلة