مجتمع
-عادل العوفي
منذ اللحظات الأولى لانعتاق السوريين من براثن الاستبداد والقمع والتنكيل، ووسط تلك الفرحة العارمة الجامحة التي امتدت لتشمل ربوع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ظل ذلك الجسم “الهجين” يحاول النبش لإيجاد ثغرات يتسلل منها، ويفسد بالتالي لحظات البهجة والسرور المنطقية لشعب تجرع وعانى ويلات القتل والدمار لسنوات طويلة.
فبقدر ما أثلجت الوحدة ولمّ الشمل والقفز على المصالح الضيقة صدور محبي سوريا وأهلها، بقدر ما أججت نيران الغضب والحقد في نفوس الكيان السرطاني المتربص، وكان عليه فتح الدفاتر العتيقة، لعل بقعة كريهة كتلك التي اعتاد أن يقتات منها سوف تقوده لبث بذور الفتنة، وضرب مظاهر التآخي والتآزر التي طبعت عودة السوريين لوطنهم، وسعيهم الحثيث لوأد كل ما يعكر صفوهم، ويعرقل تطلعهم نحو غد مشرق؛ لكن، هل انتهى شهر العسل بهذه السرعة، وفُتحت الجروح القديمة دون سابق إنذار؟
من المؤكد أن من ينظر بعين الصدمة لما عرفته منطقتا أشرفية صحنايا وجرمانا في محافظة ريف دمشق سيكون شخصًا “حالمًا”، لا، بل وغارقًا في الرومانسية أيضًا، بالنظر إلى السجل المتشح بالوساخة لمن يتربص بسوريا وأهلها. وتكفي مراجعة تصريحات أغلب المسؤولين في حكومة الكيان الغاصب لإدراك أن ما يُحاك ضد البلد يُثير المخاوف، ويجعل مسؤولية السوريين مضاعفة في التفكير بوعي منقطع النظير، لأن اللعب على وتر الفتنة سيكون الشغل الشاغل للعدو الذي لم يعد يخفي مطامعه. ولا يقتصر ذلك على مجرد خرائط مرسومة على البدل العسكرية، بل أضحى حديثًا ملموسًا وروتينيًا في وسائل إعلامه.
السؤال المطروح هنا: هل ما زال مجديًا التحلي بخطاب “مؤدب” و”مسالم” أمام شرذمة المجرمين هؤلاء؟ في فترة من الفترات، قد نتفهم “تحفظ” القيادة السورية الجديدة في تبني أسلوب صارم، ونجد لها بعض الأعذار والمبررات، لا سيما في ظل سعيها لإرساء استراتيجيتها، وأيضًا في ظل التربص الغربي المبالغ فيه بها، ونظرات الشك والريبة التي يُقابل بها. لكن اليوم اختلفت الموازين، والكيان الصهيوني لا يتوانى في توجيه ضربات عسكرية بوتيرة مستقرة وشبه يومية، ولعل استهداف محيط القصر الجمهوري أكبر دليل على أن المخططات خرجت للعلن، وأن القادم سيكون أكثر تعقيدًا، وأن لغة “التودد” التي يستخدمها بعض المسؤولين لم ولن تؤتِ أُكلها، وستورط القيادة السورية أكثر فأكثر مع عدو لا يردعه سوى لغة القوة، والوقوف ندًّا لند.
لعل من أهم الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة هي النشاط المشبوه على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال ما يُطلق عليه “تسميم الوسوم”، واللعب على زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال إنشاء كمّ هائل من الحسابات الوهمية بأسماء محلية، وإطلاق العنان لتغريدات موجهة، معدة بعناية فائقة “لاصطياد” الهدف، المتمثل في الغالب في طائفة معينة، وإظهار مدى الشرخ والهوة الواسعة بين أطياف ومكونات البلد؛ ما يفتح الباب لانخراط شرائح أوسع، ومن ثم ضمان توسع شرارة النيران لتمتد لفئات أكبر. وهنا يأتي “الملاك الأبيض” الذي يحمي الأقليات، كي يجد موطئ قدم، أو “حجة دامغة” للعبث بأمن وأمان البلاد، والسعي لتنفيذ مخطط التفتيت والتقسيم الذي يراود خياله منذ عقود.
من هذا المنطلق، صار على السوريين اليقظة التامة في وجه كل المساعي الخبيثة التي يُروج لها هؤلاء، لزعزعة الاستقرار، والنيل من وحدتهم التي أبهرت العالم بعد سقوط النظام.
قبل أن نختم، لا بد من التوضيح أننا لسنا من هواة ولا أنصار نظرية المؤامرة التي قد يتهمنا البعض بها؛ لكن الوقائع والمعطيات هي من تقول إن الخطر القادم من الكيان الصهيوني هو التحدي الرئيسي لمستقبل البلاد وأهلها. طبعًا، لا أحد يُعفي بعض الفئات المتهورة من المسؤولية، لأن الوعي مطلوب، وبشدة، في هذه الظرفية الحرجة والحساسة، التي سيتجاوزها السوريون برجاحة عقلهم وأخلاقهم التي يشهد بها العالم، وهي الضمان الرئيسي الذي نراهن عليه كمحبين لهذا البلد الغالي، والشعب الأصيل الرائع.
ومن هذا المنطلق، نختم بمقولة جاءت على لسان شخصية “الحارث بن عباد” في مسلسل الزير سالم، الذي كتب نصه المبدع ممدوح عدوان، وأخرجه العبقري حاتم علي، حيث قال:
“إنك لن تجدع بحرب بني قومك إلا أنفك، ولن تقطع إلا كفك.”