مشاركات سوريا

عمر الأبرش: اللواء السوري الذي حرر الجولان وحُجب عن النصر

مايو 6, 2025

عمر الأبرش: اللواء السوري الذي حرر الجولان وحُجب عن النصر



ميلاد الفكرة


في حيّ الصالحية الدمشقي، حيث تتشابك جدران البيوت مع ذاكرة المجاهدين والأولياء، وُلد عمر الأبرش عام 1934. كانت البلاد آنذاك تغلي تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، فيما كانت دمشق تستنهض قواها بين انتفاضتين متلاحقتين. نشأ الأبرش في بيت متواضع، لكنه مشبع بروح المقاومة، في أزقة عابقة بحكايات من أنجبتهم دمشق من أبطال أمثال يوسف العظمة.



التحق بالكلية الحربية عام 1952، في زمن كانت فيه سوريا تمور بالانقلابات، بعد أربع سنوات على نكبة فلسطين. تنقل الشاب الدمشقي بين الكتب العسكرية وخرائط الجغرافيا التي سكنت قلبه، وحصل لاحقًا على شهادة في الأدب، قسم الجغرافيا، من جامعة دمشق عام 1966. أوفد بعدها إلى الولايات المتحدة، وعاد من كلية “فورت ليفنوورث” العسكرية وهو يحمل شهادة أركان ورؤية أعمق لمعنى القيادة في جيش تناثرت جراحه منذ عام 1948.



قائدٌ لا يحترف الخسارة (العنوان غير مناسب، المعنى مفهوم لكن على وجه الحقيقة أو المجاز لا أحد يحترف الخسارة، لأنها تأتي على غير احتراف أو تدبير، بالإمكان أن تقول: قائد لا يدينُ بالهزيمة)


شقّ عمر الأبرش طريقه في الجيش السوري بثبات الصخر وهدوء العارف، حتى اعتلى قيادة الفرقة السابعة المدرعة. اشتهر بين رفاقه بذكاء نافذ ورباطة جأش لا تهتز، غير أن اسمه ارتفع عاليًا مع انطلاق ساعة العرب في السادس من تشرين الأول عام 1973، حين دوّت المدافع السورية إيذانًا بمعركة تحرير الجولان.



تقدّم الأبرش بفرقته نحو الخندق المضاد للدبابات، وخاض رجاله معركة مريرة حتى اجتازوه، ليبلغوا منطقة “تل المخفي”. هناك، سُطرت واحدة من أشرس معارك الحرب، تلك التي سماها الإسرائيليون لاحقًا “وادي الدموع”، حيث فنيت كتيبة إسرائيلية بأكملها تحت قيادته، في أول مواجهة ليلية بالدبابات تسجلها دفاتر الحرب الحديثة.



طبريا: الحلم الذي بلغ ضفافه ولم يُكتب له أن يكتمل


تابع عمر الأبرش تقدمه بلا هوادة. خلال 48 ساعة من المعارك العنيفة، عبر جنوده الجولان بالكامل، وبلغوا جسر بنات يعقوب، حتى عَبّوا من بحيرة طبريا، التي بقيت محتلّة منذ عام 1967. في تلك اللحظة تجلّى الحلم العربي وقام من سباته، ؛ الجولان في قبضة السوريين، وفلسطين تلوح قريبة، أقرب من أي وقت مضى.



في ذروة هذا التقدّم، وبينما كانت الدبابات السورية تتهيأ لبلوغ مواقع مفصلية، تردد صوت حافظ في اللاسلكي، يأمره بالتوقف والعودة. فاشتعل غضبه في اللاسلكي: “أنت شوفير ميغ 17، شو فهمك بقيادة المعارك؟”  ومنذ تلك اللحظة، حمل حافظ الأسد على عمر الأبرش في قلبه، وسعى إلى تصفية الحساب معه.




موت في الظلال


في اليوم الثالث من الحرب، قُتل اللواء عمر الأبرش في معركة طاحنة في منطقة “تل المخفي” بالقطاع الشمالي للجولان. كانت واحدة من أشرس معارك المدرّعات في القرن العشرين. ورغم تفوق السوريين في الساعات الأولى، فإن الضعف في الإمداد والمناورة، وظهور الطائرات الإسرائيلية من طراز “كازيل” الفرنسية – التي استخدمت لأول مرة وكانت قادرة على تدمير الدبابة من مسافة أربعة كيلومترات، قلب ميزان المعركة.



رحل الأبرش، فانطفأ الحلم الذي كان بإمكانه أن يبدّل مجرى الحرب، ويضمن للجولان البقاء في يد أبنائه. استشهد الأبرشُ ولم يُعثر على جثمانه، وكأن الأرض التي عرفت صدى خطواته احتفظت به سرًا لها كالحبيبِ اليتيم، وضمّته بين صخورها، ضمَّ الجبال رائحة الغيث قبل أن تُعشبَ الأرض!



اغتيال غير معلن


ما زال موته يلفه الغموض، بين من يصرّ على أنه استُشهد في المعركة، ومن يروي همسًا أنه اغتيل بأمرٍ من حافظ الأسد الذي باع الجولان، لنجاحه في تجاوز خطوط العدو، ورفضه التوقف، وغضبه العلني من قرار الانسحاب، كلّها كانت أسبابًا كافية ليقرر حافظ الأسد الانتقام منه واغتياله، وبعدها وصف الأبرش بالخيانة وكتب حافظ الأسد في تاريخ سوريا الذي كتبه البعث بأنه بطل ومناضل.



ذاكرة الغائب


ظلّت قصة عمر الأبرش غائبة عن صفحات كتب التاريخ الرسمية، كتب المدارس لا تذكر قصته، ولا تُدرّس معركته، ولم تُكرّمه الدولة التي لطالما رفعت شعارات “الممانعة”. ومع ذلك، ظلّ حيًا في الذاكرة الخفية للجنود الذين رافقوه في المعركة، وفي رمل الجولان الذي شهد جنازير دباباته، وفي دموع الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن الذين تبعوه عبر وادي النار والماء وتناقلت سيرته في السر خشية أن يسمع بها ديكتاتور البلاد فينتقم من روايها. ولكن الحقيقة، مهما حاولت الأيادي العابثة طمسها، لا تندثر. والديكتاتور، مهما تجبر، لن يدوم. لذلك سقط الأسد، وعادت سيرة الأبرش لتفوح بين الناس كالعبير.. رغم أن الكثيرين لا يعرفون تفاصيلها وما وقفوا لها على زهرة.

شارك

مقالات ذات صلة