وقفنا لها بالمرصاد. كنا نعلم أنها ستمد السلطوية لكل ما يعزز القمع والاستبداد والانفراد بحكم لا يتناسب مع عظمة هذا الشعب وهذا الوطن. كنا نوقن أنه سيمد على استقامته طريقا لن يؤدي إلا لانعدام الشفافية وانقطاع المسار الواضح للتداول السلمي للسلطة. لا يمكن لمسار كهذا، يتدخل فيه من يُولى لأربع سنوات ليمد لنفسه فوق القانون والدستور وحتى صوت المواطن الأجل، لفعل ما يحلو له دون حساب. أُحلت يوما للجنة القيم لأنني قمت بعملي نائبا عن هذا الشعب العظيم، الذين يريدون إخراسه بكل السبل وهم يشتغلون من أجله وهو من يدفع رواتبهم ويولّيهم المهام. أُحلت للجنة بعدما طرحت بشكل بناء مبادرة للإصلاح السياسي في عام ٢٠١٩ دعوت فيها رأس السلطة للتنحي بحلول ٢٠٢٢، وإعادة النظر في التعديلات المعيبة، التي تم إقرارها من الأغلبية دون إيلائها الاهتمام اللازم، وبعد استفتاء في إبريل فيما بعد.
دعوت في المبادرة قبل أن تُعرض في الاستفتاء كي تكتمل أركانها قبل العرض على المواطنين إلى تشكيل ١٢ لجنة برلمانية لمناقشة الأزمات الفعلية في البلاد، كي يكون المواطن على نور بملفات النجاح والفشل التي نفذتها أو لم تنفذها السلطة التنفيذية، من ثم أين أخطأت وأين أصابت، وأين حوسبت وأين لم تحاسب، قبل أن يقرر المواطن ما إذا كانت هذه السلطة تستحق تمديدا مخالفا أصلا للدستور من عدمه! هل من حقها أن تمد لنفسها خطا إضافيا لمزيد من الفشل والاستمرار في الفساد، أم تطلب مددا للذهاب بالشعب لخراب كامل واستدانة فوق الاستدانة. كنا نعتقد أن الحق كل الحق للشعب أن يعرف، أن يرى، أن يدرك ثم أن يقرر.
وقتها ٩٥ نائبا من نواب السلطة طبعا تقدموا بطلب إحالتي إلى لجنة ”القيم“ لأنهم رأوا في مبادرتي للإصلاح السياسي ”مساسا برئيس الجمهورية والجيش والشرطة“ وهي ”خطوط حمراء“ لا يجب التعرض لها. والحقيقة أن ذلك في عين القانون كلام لا أساس له لا قانونيا ولا أدبيا. من انبرى له الزملاء النواب موظفون حكوميون، لهم مهام محددة وأقسموا على تأدية عمل يُشْرف عليه مجلس النواب وقنوات رقابية محددة. من حق مجلس النواب حينئذ أن يستدعي المسؤولين من السلطة التنفيذية ويسائلهم عن سوء الأداء، بل وأن يسحب الثقة من الحكومة كلها إذا جاءت نتيجة المساءلة أن فسادا ما ارتكب أو أن سوء إدارة تسبب في خسارة يعتد بها. ثم أن الخطوط الحمراء لا توجد في عمل دولة بحجم مصر إلا فيما يتعلق بالسيادة المصرية، وهي خطوط تخطتها ذات السلطة في أمور عدة، ساءلناهم عنها أيضا في البرلمان.
الواقع الذي لا زلت أعرفه ولا أحيد عنه أن تلك التعديلات مازالت ليومنا هذا سببا في خراب كبير في اتزان هذا الوطن وانتكاسة كبيرة في الفصل والموائمة بين السلطات ما زلنا نعاني جل آثاره، تعود بنظام الحكم إلى ما يشبه إدارة الدولة في القرون الوسطى، من خلال تكريس كل السلطات في يد فرد واحد، وقلت وما زلت أقول إنها كانت ومازالت ضربة موجعة لعملية التحول الديمقراطي.