سياسة

الترسانة المصرية (الجزء الأول).. لمن تَشْتَري مِصْرُ كُلَّ هَذَا السٍّلاح؟ 

مايو 2, 2025

الترسانة المصرية (الجزء الأول).. لمن تَشْتَري مِصْرُ كُلَّ هَذَا السٍّلاح؟ 

بالبحث لأكثر من ثلاثة أشهر، تتبعت صفقات السلاح التي اشترتها مصر في العشرية الأخيرة. بداية سيكون هذا التحقيق غابة استوائية من المصادر والأدلة، بل والقرائن لاستبيان النمط لمن يهمه الأمر؛ وأعترف برهبتي ومراجعتي أكثر من مرة لكمية وعدد وكفاءة وأثمان الصفقات التي اشترى بها عبد الفتاح السيسي خلال عشرة أعوام كل هذا السلاح! كمٌّ مهول لدولة تعيش على الاستدانة! صفقات بمليارات الدولارات بالاقتراض بفوائد كبيرة! وشعب وضعته هذه السلطة ظهره إلى الحائط بحجج الفقر.

 

 

ثلاثة أشهر ونتائج مريبة

  • خطوط إنتاج وأرقام تسلسل وتمام شحنات الأسلحة قبل تسليمها لمصر . ثم في الصفقات مرة ثانية بعد استلام كل شحنة ب ٦ أشهر لأعرف أين يؤهب السلاح وما إذا استخدم، ثم بعد عام ثم كل ثلاثة أعوام لأميز معدلات الاستهلاك و التكهين لأي قطع قديمة.
  • تقصَّيْت عن فائقية السلاح المشترى وشركات تصنيعه وأسعاره والنسخ المعدلة منه ونوعية قذائفها ومداها وهامش التحكم فيها من الدول المصنعة.
  • دقّقتُ كذلك في تواريخ شراء السلاح وفي أي ظرفية سياسية تمت صفقات بيعه للسلطة الحالية؛ والسياقات النقدية والمالية للدولة وقت شرائه؛ خاصة في حالة تفاقم الاستدانة لإتمام الصفقات في الأعوام الأربع الأخيرة.
  • وأخيرا، تتبعت مسار السلاح وتواريخ تسليمه وجهوزية استخدامه والمستخرج منه للاستخدام أو التكهين؛ من ثمّ خرجْتُ بأكثر من فرضية صحفية لكل جزء من سلسلة التحقيقات عن صفقات مصر من السلاح لسنوات سأفصّلها كل في حينه.

لمن تشتري مصر كل هذا السلاح؟!

لماذا تبني مصر هذه الترسانة الضخمة؟ لا دلائل على حرب وشيكة ستخوضها السلطة أو القوات المسلحة باسم مصر لا إقليميا ولا دوليا! هل يستحق بقاء هذا النظام وتثبيته الاضطرار للتسلح حد الاستدانة؟ أو حتى ابتزازه لشراء كل هذه الترسانة لاستبقاء رأس النظام؟ أبحث عن ميزانية  تقريبية من المال العام لتتمترس به مصر تحت ضغط الاستدانة. من هنا أبدأ الجزء الأول من التحقيق:

 

 

المناورات العسكرية المتعاقبة

في الثاني من أبريل ٢٠٢٥ أعلن سلاح الجو الإسرائيلي عن أنه يشارك في مناورات جوية عسكرية دولية ”إنيوكوس“ تستضيفها اليونان وضمت إلى جانب إسرائيل الإمارات وقطر والولايات المتحدة وفرنسا والهند وإيطاليا والجبل الأسود وبولندا وسلوفينيا وإسبانيا، وغابت عنه مصر!

 

هل استُبعدت مصر والأردن من المناورات؟ أم انسحبت مصر لتتجنب الولايات المتحدة على خلفية ضغط ترمب بشأن تهجير الفلسطينيين القسري لمصر؟ لماذا شاركت فرنسا التي أعلن رئيسها قبل أيام من مصر ”اتّحاده“ معها في موقفها المعلن الرافض للتهجير! وغَرِمَ لمصر ٤ مليارات دولار كحُزمة ثانية للمساعدات طلبها منه السيسي صراحة!

 

 

مناورات مصرية صينية بالقرب من قناة السويس

الأسبوع نفسه كان حافلا بالتصريحات الغوغائية من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. إذ كتب ترامب على منصة تروث سوشيال: “يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور عبر قناتَي بنما والسويس بحُريّة، هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية”.

 

اللافت أن  مصر بعد مناورات اليونان الجوية أجرت مناورات على بعد ١٠٠ كيلومتر فقط من قناة السويس لكن مع محور مختلف؛ إذ بدأت تدريبات عسكرية جوية مشتركة مع الصين بدءً من ٢٠ أبريل  حتى منتصف مايو ٢٠٢٥ تحت اسم ”نسور الحضارة ٢٠٢٥“. استقبلت مصر في المناورات خمس طائرات نقل عسكرية من طراز “CHI Y-20” ومقاتلات J-10B و J-10C الصينية وطائرة الإنذار المبكر kJ-500  وهي من أهم منصات الإنذار المبكر في الترسانة الصينية و طائرة التزود بالوقود Y-20U.

 

لهذا دلالة مهمة جدا؛ الصين ليست أقل طموحا لتوجيه مسارات مصالحها بعيدا عن منطقة إندو تشاينا، والدليل هو تسلسل جهود الصين خلال العقد الأخير في بناء مطارات وقواعد عسكرية في دول أفريقية عدة. بدأ بإرسال أول قوات صينية في ٢٠١٦ للعمل ضمن قوات حفظ السلام فى جنوب السودان عام 2014 ، إذ بنت الصين سلسلة من القواعد البحرية وجزر صناعية و مدارج للطيران و أرصفة سفن، لتمتد إلى قواعد بحرية ومدارج عسكرية في جيبوتي وغيرها من الدول الأفريقية بالقرب من منشآت أمريكية حيوية في نفس الدول.

يُعتقد أن مصر تسعى للحصول على المقاتلة J-10C من ثم تُشرك مصر أسطولها الجوي من سرب MiG-29M/M2 الروسية التي تريد مصر تعزيزها بشراء المقاتلة الصينية. تمتلك مصر حاليا ٤٦ طائرة MiG-29M/M2 وهو طراز أدخل عليه تعديلات في روسيا عن النموذج الأساسي لتمكينه من حمل صواريخ R-77-1 جو-جو وقذائف موجهة بدقة جو-أرض. (الدفاع العربي)

 

كما أتْبَعَتْ مصر المناورات الجوية مع الصين بشراء هيئة التسليح بالمؤسسة العسكرية من الصين منظومة HQ-9B الصاروخية بعيد المدى للدفاع الجوي مزودة بنظام فائق لتتبع المقاتلات stealth غير المًتتبّعة، لا بالرادارات ولا بالرؤية الليلية، المصطلح عليها بنظام ICE أو حتى موجات والإنفرا-رد Infrared  وسلاح الإشارة.

 

 

عملتُ لمدة عام ونصف أثناء تصويري لتحقيق الكبتاجون كان ضمنها زيارتان طويلتان للأردن على الحدود الأردنية السورية. قدْتُ مصفحةً على طول الجبهة الشرقية بالقرب من المفرق ليلا، لأختبر كفاءة نظام ICE في الكشف عن المهربين. مرة في الشتاء وأخرى في فصل الصيف شاهدت تفوق نظام ICE على الحدود بمسافة ٥٣١ كيلو متر على الواجهة الشرقية بدءا من نقطة كوم الرف على امتداد الحدود مع سورية بالاتجاه الشمالي. نظام ICE كان مثاليا في كشف الرؤية الليلية لكنه كان مكلفا ملايين الدولارات لتغطية هذه الحدود على جبهة واحدة فقط.  يسعى السيسي الآن  لشراء منظومة للدفاع الجوي تتفوق على هذا النظام وكل أنظمة الرصد المذكورة أعلاه! فتخيلوا الكلفة!

 

 

كوريا الجنوبية – اتفاقات تسليح و ”تصنيع“ 

بدأت هيئة التسليح المصرية تعي لعبة الأقطاب للمناورة في لحظات ضغط كهذه أو لاستدرار مزيد من المكاسب للنظام، حاولَتْ في أكثر من ظرف كسر الاحتكار الغربي في التسليح. سعت مؤخرا لصفقة شراء ١٠٠ مقاتلة FA-50 من كوريا الجنوبية وهي تشبه المقاتلة F-16 الأمريكية.

بدأت هذه المرحلة من الصفقات في الثاني من فبراير ٢٠٢٢، بإعلان إبرام صفقة أسلحة كبيرة ب حوالي ١.٧ مليار دولار. الاتفاق تضمن ”تصنيعا“ مشتركا لمنظومة دفاعية متطورة. هذا الانفراد في أفريقيا لمصر يعني أمرين مهمين:

  • خلق محاور عسكرية في المنطقة ومحاولة المناورة من مصر للإبقاء على المحورين الأمريكي والصيني وهو من الصعب بمكان لأن السيسي ورط مصر اقتصاديا وقيد القوات المسلحة المصرية بل نظامه كله بالامتثال للغرب الذي يزيد من تكبيل مصر في الدين حتى في صفقات السلاح التي يعزز السيسي به كرسيه ولو بزيادة الدين الخارجي الذي يدفع ثمنه المواطن من ضرائبه دون أي منفعة مباشرة لدورة رأس المال في الدولة.
  • محاولة في العلن لإحياء مشروع يُكسب السيسي المزيد من الاستمهال والإبقاء على سلطته بالتنفس الاصطناعي لحين، بالمخايلة بعد خديعة ”الاصطفاف خلف القيادة“ بإعادة الروح في خديعة جديدة؛ تصنيع الأسلحة المصرية وهو طموح ناصري بعيد توقف مع انتهاء الناصرية ”من الإبرة للصاروخ“ وتبدد كليا مع مسار الانفتاح والانضمام للمحور الأمريكي في عهدي السادات ومبارك ومن تلاهما. ٣. المزيد من الاستدانة طبعا وحجم الدين الخارجي في صيغة قروض بفوائد لإتمام صفقات التسليح أو في مقابل تثبيت النظام أو تأدية خدمات إقليمية بعينها – وسأكتفي بالتوصيف كما هو إلى حين.

هل تنجح مصر في تغيير التحالفات حاليا؟

لا أعتقد. ذلك بسبب التهديد الأمريكي الذي كتبت عنه في تحقيق سابق وجاء كالتالي:  ” التحذير وُجه في أبريل ٢٠١٩ من مسؤول رفيع بالخارجية الأمريكية ب“عقوبات“ على مصر إذا أقدمت بالفعل على صفقة بملياري دولار (٢ مليار) لشراء أكثر من عشرين طائرة مقاتلة روسية من طراز SU-35  (سوخوي ٣٥) كان على الأرجح سيتمه محمود السيسي كملحق عسكري بين البلدين بحلول ٢٠٢١ . لكن الواقع يقول إن المقامرة كانت بين المنحة العسكرية الأمريكية من جانب وواردات مصر التقليدية من مقاتلات سوخوي ٣٥ SU 35 أو التعرض للعقوبات الأمريكية.“

 

وبصرف النظر عن المنحة، فالولايات المتحدة قدمت مليارات الدولارات من المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر وباعت لمصر شبكة متكاملة من العتاد العسكري كمقاتلات F-16 وغيرها من الصواريخ والأنظمة الدفاعية. على خلفية ذلك، يعتقد أن صفقات مصر باستيراد أنظمة الدفاع الجوي و مقاتلات J-10C الصينية التي توشك هيئة التسليح تخليص شرائها، محاولة للالتفاف على تهديدات واشنطن خصوصا في هذا التوقيت الحساس بسبب خطة تهجير الفلسطينيين.

 

أين يُشَوَّنُ كلُّ هذا السلاح؟ قاعدة أنشاص

رصدتُ نيةَ مصر تخصيصَ وتطوير قاعدة أنشاص العسكرية لتكون مجرى وميناء جوي لاثنتي عشرة مروحية CH-47F أو ما يصطلح عليها اختصارات ب Chinook، أو Boeing CH-47 Chinook في صفقة تبلغ تكلفتها بين ٢٥ مليون إلى ١٠٠ مليون  دولار  وافقت عليها الولايات المتحدة ستسلم لمصر بداية عام ٢٠٢٦. كما تحفظ موقع ”الدفاع الإسرائيلي” Israel Defense” ”على تقوية المؤسسة العسكرية المصرية ترسانتها البحرية في ١٦ يناير ٢٠٢٥ المدرعات المزودة بمدافع ثقيلة مضادة للسفن الحربية K9 howitzers من كوريا الجنوبية.

 

لكنني رصدت أيضا محاولة لتفجير القاعدة العسكرية مرة في ٢٠١٣.

٢٩-٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ استهدفت مجموعة مسلحة قادها ضابط الصاعقة المنشق في الجيش هشام عشماوي أحد المؤسسين لفرع القاعدة في سيناء ”أنصار بيت المقدس“ الذي والى فيما بعد تنظيم الدولة  الذي أطلق على نفسه اسم “ تنظيم ولاية سيناء“. نفذ هشام ومجموعته التفجير مقر «المخابرات الحربية» بأنشاص، وأصيب فيه ٦ مجندين و مدني واحد وتم احتواء الأمر بالتقادم والتعمية كالعادة؛ لكن ذلك يعني أن مقرا كبيرا للمخابرات الحربية في أنشاص ومخزنا كبيرا للأسلحة استُهدف.

 

بايدن / ترمب- صفقات الطوع الإجباري

  • في عام ٢٠٢٤ أقرت حكومة جو بايدن ثلاث صفقات لتسليح مصر، إحداها في الربع الأول من العام، والثانية في سبتمبر والثالثة في ديسمبر. نشرت The Times Of Israel تايمز أوف إسرائيل المعروفة بمثل هذا الخط التحريري يوم ٢١ من ديسمبر ٢٠٢٤ أن الولايات المتحدة صدقت على ”بيع“ وليس ”منح“ صفقة سلاح لمصر بلغت ٥.٣٥ مليارات دولار.
  • صفقات بايدن، المُقرة في يناير، وسبتمبر وديسمبر ٢٠٢٤ أقرتها وزارة الدفاع  بعد الخارجية الأمريكية لتجديد ٥٥٥ دبابة من طراز M1A1 Abrams“” الأمريكية الصنع بقيمة ٤.٦٩ مليار دولار، في صفقة تتولاها شركة “جنرال داينامكس لاند سيستمز“.
  • كذلك، توفر الصفقة نفسها التي تمّ الكشف عنها، مجموعة أدوات تحسين رؤية السائق برادارات فائقة، وأجهزة تصويب نظام التصوير الحراري (TIS)؛ وقاذفات قنابل الدخان M250؛ وناقل الحركة للدبابات X-1100؛ وقطع الغيار، ومعدات دعم. حصلت مصر في ٢٠٢٤ على ٢١٨٣ على قذائف وصواريخ جو- أرض HellFire و Stinger ب ٦٣٠ مليار دولار وذخائر حرارية موجهة ب٣٠ مليون دولار.
  • فبراير ٢٠٢٤، ٧٧٠ صاروخ Stinger  بثمن ٦٤٠ مليون دولار تستخدم على مركبات ومصفحات Avenger.
  • هياكل مصفحات ومدرعات للتخفي (REV1-B) مع محركات ديزل خام ثقيل لترقيتها من ١٩٠ ل ٢٠٥ حصان ب٢٠٠ مليون دولار.
  • ٢٠٢٢ باعت الولايات المتحدة لمصر (بقروض فوائد) في مايو صفقة سلاح ب ٢.٥٦ مليار دولار ضمت كما ذكرنا آنفا طائرة حمل معدات shinnok F-47 وأنظمة رادار للدفاع الجوي.
  • (تمت الاستعانة بموقع الدفاع العربي لمضاهاة مصادرنا التي تطابقت فشكرا للموقع).

وذكرت “وكالة التعاون الدفاعي” (دسكا)، التابعة للبنتاغون، أن مصر الدولة الوحيدة إلى جانب الولايات المتحدة التي تنتج الدبابة “أبرامز”، بنسبة 40 بالمئة من مكوناتها، والباقي من المصانع الأمريكية.  في أغلب بيانات البنتاجون تركز وزارة الدفاع على: دعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي بتحسين أمن دولة صديقة.

مصر أتمت صفقات مع واشنطن لا تتواءم مع قدرتها الشرائية، أقول ذلك ببساطة غير معقدة لأن هذه الصفقات تفضي مباشرة إلى تبعية عسكرية في منتهى الخطورة على قرارات عسكرية مصرية، خاصة في ظل الوضع المحموم الذي تمر به المنطقة.

 

 ألمانيا، الصفقات الثقيلة

صعدت ألمانيا في مراكز موردي السلاح لمصر بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. أختلف مع باحثي موقع الدفاع العربي استنادا إلى إحصاءات ثابتة حُدثت في ٢٠٢٥ من حيث ترتيب مصر دفاعيا وهجوميا وفقا  لعديد أسلحتها والدول المصدرة، لكن هذه الفقرة من تقرير الزملاء في الموقع جديرة بالبحث:

” وبالعودة إلى الأسلحة الألمانية المستوردة، فهي تتضمن: غواصات هجومية، وفرقاطات متطورة، وصواريخ وأنظمة دفاع جوي من طراز IRIS-T، وأسلحة خفيفة وذخائر، وأنظمة مراقبة واتصالات، وطائرات تدريب، وغيرها الكثير. في عام 2021 فقط، بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية إلى مصر أكثر من 4 مليارات يورو، وخلال السنوات الخمس الأخيرة، استوردت مصر 32% من أسلحتها من ألمانيا، تليها إيطاليا ثم فرنسا. وقد واجهت هذه الدول انتقادات حادة لتجاوزها بعض تحفظات الاتحاد الأوروبي بشأن تصدير السلاح إلى مصر منذ عام 2013، خوفاً من استخدامه في قمع الحريات، إلا أن تلك الدول استغلت بعض الثغرات القانونية واللغوية لتصدير أسلحتها دون قيود. “

 

التفوق الإسرائيلي أمر لا تتساهل فيه واشنطن

حتى اتفاقات التطبيع لم تنجح في تساهل الولايات المتحدة في هذا الأمر. أرادت الإمارات ضمن شروط ”صفقة“ التطبيع أن تحصل على سرب من طائرات F-16 محدثة ما يشبه التشكيك في الاتفاقات وجدواها آنذاك، فجأرت إسرائيل أن هذا يضعف قدراتها وانفرادها بالتفوق العسكري في المنطقة وبالفعل علقت واشنطن المسألة، حتى إن الإمارات لوحت بإتمام صفقات أخرى مع فرنسا أو حتى بشراء منظومة S400 الدفاعية الروسية. منذ أيام أعلنت وزراة الدفاع الإماراتية عن صفقة مع شركة لوكهيد مارتن بقمة ٦ مليارات درهم (1.63 مليار دولار) لتحديث مقاتلات F-35 للحصول على ٨٠ مقاتلة من الفئة المعدلة المذكروة .

 

طلبت إسرائيل صواريخ HellFire من واشنطن وفقا ل شبكة NBC الاميركية:

”وقال مسؤول عسكري أمريكي: “لقد وصلت بالفعل مساعدة أمنية أمريكية عاجلة وهناك المزيد في طريقها وستصل إلى إسرائيل في الأيام المقبلة” و “بينما نتفهم الاهتمام بتفاصيل محددة، لا يمكننا الخوض فيها الآن”.

 

كما أنني في تحقيقي السابق رصدت حركتي تسليح نشطتين من فرنسا لمصر استقصيت عنهما أثناء زيارة إيمانويل ماكرون لمصر فيما كان السيسي يتعجله في حزمة ثانية من المساعدات أقرتها آنفا أورسولا فوندرلاين في خطة إنقاذ شاملة في ١٧ مارس ٢٠٢٤ أثناء زيارتها لمصر. ما يهم تحقيقنا هذا هو التالي:

 

إسرائيل.. كيف ستُسيّرُ حربا مع مصر“؟

ذهبت بعيدا عن التصريحات الإسرائيلية الرسمية أبحث في تقاريرهم الاستخبارية المعلنة، وهو أمر اعتادت عليه الاستخبارات في شكلها الإعلامي حتى في مصر. ذهبت لدورية يكتب فيها عدد من الكتاب وضباط الموساد، ووجدت ضالتي؛ مقال يحمل الرسالة التي أريد قراءتها تماما. منشور كتبه إيهود إيلام أحد ضباط الجيش الإسرائيلي؛ متقاعد وأحد الكتاب في موضوعين يكاد لا يخرج عنهما وهما شديدا الأهمية لإسرائيل: إيران، ومصر. دائم الكتابة عن توقعه حربا لإسرائيل مع مصر. كتب في ٣ يناير ٢٠١٦ عن إمكانية وقوع حرب بين مصر وإسرائيل بسبب محاربة تنظيم ”ولاية سيناء“ في شبه الجزيرة واقتراب القوات النظامية وميليشيات القبائل من  رفح والعريش في شبه جزيرة سيناء واعتبر ذلك آنذاك مهددا بل متعديا على بنود الاتفاقية بين مصر وإسرائيل.

 

 هل تحدثت مصر عن أي حرب مع إسرائيل؟ 

لأ طبعا. في الثلاثين من أبريل عام ٢٠٢٤ كتب إيهود إيلام مقالا مريبا جدا في وقت من أهدأ وأكثر لحظات الائتلاف بين السلطة الحالية في مصر وإسرائيل، العنوان كان ”طبيعة الحرب القادمة بين إسرائيل ومصر، أذا نشبت“. بادئة المقال كانت مستفزة وغير واقعية، بدأ بأن مصر وإسرائيل لديهما من الأسباب  ما لا يجعلهما تتحديان بعضهما في ميدان المعركة، إلا ”مواجهة قد تحدث على ضج رغبة إحداهما ربما كليهما، ولذلك السبب ينبغي أن يكون الجيش الإسرائيلي على جهوزية ومعد لهذه المعركة واردة الحدوث“. المستخلص الأهم في مقال إيلام هو التركيز الشديد لضابط  الجيش الإسرائيلي السابق هو  ذاته الذي بدأت به مقالي؛ مصر ليست تحت خطر محدق خاصة وأن علاقتها ممتازة مع إسرائيل كيفما وصف هو ذاته، وأن احتكاكها البسيط في وقت ما بتركيا بسبب ليبيا مثلا أو أي دولة آخرى لا يفضي إلى حرب تحتاج كل هذا السلاح الذي تغدقه مصر على شرائه بكميات مهولة وهي تحت ضغط اقتصادي ضخم.

 

لكنه يذهب في التحليل إلى النقطة التي لم تغض إسرائيل الطرف عنها أبدا، مازالت إسرائيل تخطط لسيناء، انبرى إيلام في مضاهاة الأسلحة المصرية والإسرائيلية، واستكشف أنه على الأرجح سيحرق الطرفان السلاح الجوي من البداية لتشابه معظم هذا السلاح بين الطرفين خاصة أسطول ال F-16 من المقاتلات، خصوصا وأن مصر تملك منها حوالي ٢٠٠ طائرة أمريكية الصنع، بخلاف حلفاء محتملين لمصر يراهم في إيران وحزب الله وسورية وحماس (كان هذا قبل استهداف محور الممانعة والمقاومة الفلسطينية واغتيال حسن نصر الله وإسماعيل هنية والسنوار ومحمد ضيف). وطبعا لأن التحليل مغرض يذهب إيلام إلى الاستشهاد بما يمكن أن تفعل إسرائيل ومصر بمعارك العدوان الثلاثي ١٩٥٦ وحرب ١٩٦٧، لكنه يتناول حرب ١٩٧٣ من باب الاكتفاء بعبور القناة والبدء فورا بمفاوضات الكيلو ١٠١ والاحتفاظ بالفخر الوطني والنجاح في إيقاف إسرائيل من تحقيق أي مكاسب على الأرض.

 

لكن رد إسرائيل الرسمي حقيقة على تتابع صفقات التسلح المصرية خاصة ٢٠٢٤-٢٠٢٥ لم يأت متأخرا بعد أي صفقة؛ إذ إنها علقت في موقع ”الدفاع الإسرائيلي“ ” Israel Defense”  المعني بمتابعة الخطوات العسكرية في المحيط العربي والشرق الأوسط ,وتأثيرها على إسرائيل وأظنه رسميا لأن نسخا به بغير العربية تحمل ذات المحتوى؛ علق الموقع مرة في يوليو ٢٠٢٤ وكذلك في أغسطس ٢٠٢٤ على نية مصر استبدال مقاتلات F-35 الأمريكية بمقاتلات صينية، و تجسد ذلك في المناورات التي أشرت إليها في صدر التحقيق بنية حقيقية لمناورة دبلوماسية مصرية أمريكية تحت ضوء الضغط الأمريكي لتهجير قسري للفلسطينيين من غزة عبر رفح إلى سيناء.

 

مصر الدولة رقم ٢ من حيث عدد مقاتلات الرافال بعد فرنسا (الدولة المنتجة)!

أكتفي من تحقيقي الفائت بما نشرته شركة داسو للطيران Dassault Aviation المصنعة لRafale مقاتلات رافال بتاريخ الرابع من مايو ٢٠٢١ التالي“ حين قررت جمهورية مصر العربية شراء ٣٠ طائرة رافال ”إضافية“ لتسلح قواتها“: ”الطلبية الجديدة لمصر تستكمل صفقتها ب ٢٤ طائرة رافال rafales التي وُقعت في فبراير ٢٠١٥ والتي  تصبح بها القوات الجوية المصرية الثانية في العالم بعد القوات المسلحة الفرنسية من حيث عدد ”مقاتلات رافال“ في قواتها المسلحة.“

 

إذن ما حجم الترسانة المصرية بالفعل؟

قاعدة البيانات العالمية sipri لمعهد ستوكهولم للدراسات والإحصاء المعنية بحركة السلاح وصفقاته الرسمية في العلم خلصت إلى التالي:

  • في الخامس عشر من مارس ٢٠٢١ إلى أن مصر قفزت في معدلات التزود بالتسلح باضطراد منهجي تقريبا وصل لحد +١٣٦٪ بين عامي ٢٠١٦-٢٠٢٠ مقارنة بالفترة ما بين ٢٠١١-٢٠١٦.
  • كما أن فرنسا؛ المتنافسة مع ألمانيا على المرتبتين الثالثة والرابعة في تصدير السلاح زادت صادراتها في نفس الفترة من الأسلحة الثقيلة بمعدل ٤٤ ٪ بمعدل ٨.٢ من حجم الصادرات الكلي في العالم من السلاح بين عامي ٢٠١٦-٢٠٢٠ ولمصر في ذلك نسبة من الصفقات لا يستهان بها من البلدين المصدرين، وأن الهند ومصر وقطر مجتمعين استوردوا مجتمعين ٥٩ ٪ من صادرات السلاح الفرنسي.
  • في الفترة بين عامي ٢٠٢٠-٢٠٢٤ أربع دول من بين العشرة الأكثر استيرادا للسلاح في العالم هم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مصر تأتي في المركز الثامن عالميا! تسبقها القطر والسعودية في المركزين الثالث والرابع على التوالي وتليها الكويت في المركز العاشر.
  • نصف السلاح المستورد في نفس المنطقة يستورد طبعا من الولايات المتحدة، في المركز الثاني تأتي إيطاليا، ثم فرنسا تليها ألمانيا وروسيا. الملاحظة القوية تأتي في سقوط حصة روسيا في تصدير وبيع السلاح من ١٨٪ بين عامي ٢٠١٥-٢٠١٩ إلى ٤.١ ٪ بين ٢٠٢٠-٢٠٢٤ طبعا بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية.
  • الملاحظة الثانية أنه على الرغم من تصاعد صفقات مصر من السلاح بشكل مهول في عشرية السيسي، إلا إن الفترة بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٩ تبقى الفترة شديدة الريبة في كمية الصفقات وضخ الأموال الرهيب في السلاح مقارنة بالفترة بين ٢٠٢٠-٢٠٢٤.
  • في الفترة الأولى المشار إليها كانت مصر الدولة رقم ٣ الأكثر شراء للسلاح في العالم!
  • كان أكثر من ٥١٪ من صفقاتها من الطائرات المقاتلة، تحديدا من مقاتلات صنعت في روسيا وفرنسا.
  • بينما فيما بين ٢٠٢٠-٢٠٢٤ أصبح ثلثا ٦٥٪ من صفقات السلاح هي للسفن الحربية بما في ذلك الحاويات الحربية العملاقة من إيطاليا وألمانيا وفرنسا.

مستخلصات
إنطلاقا، تحقّقْتُ بالأدلة أن مصر تبني بشكل منهجي في عشرية السيسي خصوصا الأربع ٢٠٢٠-٢٠٢٤ الأخيرة ترسانة عسكرية تشتريها السلطة تارة بميزانية المؤسسة العسكرية غير المراقبة أو بالآجل في مقابل خدمات إقليمية محددة أو ”بقروض تمويلية “ بالغة الضخامة في صفقات بمليارات الدولارات.

هذه أرقام مرعبة لدولة مثل مصر حتى لو كانت في حالة استعداد لحرب في وضعها الاقتصادي الحالي. بالاستقصاء عرفنا منذ متى، وكم اشترت من سلاح، وبأي صيغة تعاقدية. لازلت أسأل. لمن تتسلح مصر بهذه الترسانة.

 

تفضلوا بقراءة تحقيقات لاحقة – إن عشنا.

شارك

مقالات ذات صلة